
الدكتور : محمد عز الدين البدوي
ككل سنة كنا ننتظر موسم الكتاب أو مهرجان الكتاب ، أو بالأحرى المعرض الدولي للكتاب .
كم كنت أفرح كغيري من محبي الكتاب بهذه التظاهرة الثقافية المتميزة التي تطل علينا في منتصف السنة الدراسية ، فكنا نعد العدة ، ونحرص كل الحرص على أن نجعل رحلة الكتاب متميزة ، كان مكان المعرض في الدار البيضاء ، والمسافة من مدينة القصر الكبير شمال المملكة إلى حيث يقام المعرض ليست باليسيرة، ربما أربع ساعات قد تكفي للوصول وشد الرحال، وقد تتعدى الرحلة ست ساعات ، خاصة في الإياب ، حيث الإجهاد ، وحيث يبلغ منا التعب مبلغه .
في زيارة سابقة قضينا ما يقارب عشر ساعات ، نتجول بين الأروقة ودور النشر، وأحيانا قد نقتطع ساعة أو ساعتين لأخد قسط من الراحة لحضور ندوة أو محاضرة، أو توقيع كتاب، في رحاب المعرض، فنضرب عصفورين بحجر واحد، نرتاح ، ونستفيد ونستمتع .
ولأن المناسبة غالية وذات شأن رفيع، لابد من اختيار الرفقة بعناية شديدة، وهذا الأمر ليس يسيرا ، وكما يقال : الرفيق قبل الطريق.
هيأت ما يكفينا من المأكل والمشرب لقضاء يوم متميز ومتفرد، فالوقت لن يسعفنا لمغادرة المعرض بحثا عن الطعام والشراب ، حملت الزاد وحتى العتاد في سيارتي الكبيرة الألمانية الصنع .
كان الاتفاق على الخروج ليلا، -فالفصل شتاء ، حيث يأخد الليل من النهار نصيبه الوافر. غدونا قبيل الفجر بساعة ، وما صلينا صلاة الصبح إلا ونحن بسيدي علال التازي والمسافة لم تنتصف بعد، يفصلنا عن مدخل مدينة القنيطرة حيث بداية الطريق السيار نصف ساعة بالتقريب.
تنفس الصبح وبدأ الحديث عن وجبة الإفطار التي رجح عندنا أن تكون بالقرب من المعرض الدولي للكتاب .
الرحلة ممتعة صحبة ثلة من الأخيار ، نتبادل أطراف الحديث ، نستمتع ببعض الطرائف والقصص ، التي تهون علينا وعثاء السفر وتجعلنا لا نشعر بطول الطريق ومتاعبه .
القيادة للخبير المتمرس الدكتور أنور، وتزداد الرحلة جمالا صحبة السي جمال ، أما السي نبيل فحدث ولا حرج…
جلست بجانب جمال في المقاعد الخلفية جهة اليمين، وتركت نبيل مع السائق ، كنت أمنِّي نفسي أن أخلد للنعاس ، لكن هيهات ! بين الفينة والأخرى ، يستفزني صاحبي أنور كعادته ، وبأسلوبه المرح و عباراته الجميلة : ( أييه آوليدي ! أنت هو الأمير ، أمراء الخليج يفضلون الجلوس في المقاعد الخلفية ، ونحن عصبة نأتمر بأوامرك وننتهي بنواهيك ، عطاتك الأيام آوليدي ، كيقولو القصر كتعطي غير للبراني ) يشير إلى نبيل ، فيحرك رأسه : أن نعم .
يستطرد نبيل ، المهم هو ( فين يفطرنا هاذ البدوي ، أما الغداء فقد هيأه ليلا ؟)
أما جمال فلا يسعه إلا أن يبارك القرارات الصادرة عن العزيزين ، وفي نفسه يقول : السفر مع هؤلاء نعمة ومتعة، وقد يضيفه الواحد منا إلى ما أجمل في سيرته الذاتيه.
لقد استبشرنا خيرا الموسم المنصرم ، بعدما علمنا بتغيير مكان المعرض الدولي في نسخته 27 من العاصمة الاقتصادية البيضاء إلى العاصمة الإدارية الرباط . قلت: خيرا نقصت المسافة ، وتقلصت مدة السفر، وفي خيالي ستكون نسخ العاصمة الإدارية أفضل وأحسن وأجود من سابقاتها ، وأقصد من حيث الزمان والمكان والنقل وغيرها.
لم يخطر ببالي البتة أن يختار أصحاب القرار الأسبوع الأول من شهر يونيو ، حيث امتحانات الباكالوريا ، وامتحانات بعض التخصصات في الجامعات.
سبحت في خيال سطحي وقلت : ما سر اختيار هذا الزمن ؟ اهتديت لجواب قد لا يعجب البعض وهو : حتى ينقص عدد الزوار الذين يقصدون معرض الكتاب ، وفي نفسي وما قيمة هذا الكتاب في بلد أكثر مسؤوليه لا يولون عناية ولا اهتماما للشأن الثقافي والعلمي .
أليس من العيب والعار أن نختار زمنا خارج زمن الموسم الدراسي ؟ أليس من السفاهة ألا نأخذ بعين الاعتبار شريحة من المتمدرسين المغاربة ومدرسيهم يفوق عددهم ثمانية ملايين ؟ فقد كانت النسخ السابقة تزخر بمئات الآلاف من التلاميذ والطلبة من جميع الأسلاك، يحجون مع أساتذتهم ومؤطريهم ، لربما في اعتقادي هي أفضل الرحلات التي يستفيد منها المتمدرسون خلال مسارهم الدراسي ، وقد تتنافس المؤسسات التعليمية في ذلك، ومن المؤسسات التربوية المشكورة تلك التي تجعل جوائز المتفوقين عبارة عن قسيمة لرحلة إلى المعرض الدولي للكتاب.
دوما كنا نشجع هذه المبادرات ، كما نشجع تلامذتنا على خوض غمار هذه التجربة الغنية ، نشجع نحن معشر المدرسين على الكتاب وقراءة الكتاب والرحلة في اتجاه الكتاب والمكتبة، إذ لا قيمة لأمة لا تقرأ.
وأي مستقبل لنا ونحن لا نقرأ ؟
خاب ظني ، وألفيتُنِي أجر أذيال الخيبة جراء ما صنع أصحاب القرار ، تبخرت أحلامنا ، وأصبحت شكوكنا حقيقة ؛ فهل يزعج مسؤولينا أن نقرأ ، وهل نؤذيهم ونحن نسعى لنحارب الجهل والأمية؟
وماذا عن الفئة العريضة من الأساتذة؟ فهم يشكلون حجر الزاوية وأنا واحد منهم وقد شغلتنا أجواء الامتحانات الإشهادية ( إعدادا ، ومراقبة ، وتصحيحا ، ومداولة… )، ألم يكن حريا بمسؤولينا الكرام اختيار أبريل أومارس ، أو حتى فبراير كما كان في بعض النسخ السابقة؟
قلت : أحسن الظن ، وما يناسبك أنت وأمثالك قد لا يناسب غيرك وإن للمسؤولين تقديراتهم وأولوياتهم !
ولأقطع الشك باليقين ولأحصل على معلومات دقيقة بعيدا عن العاطفة قلت : أجري اتصالا بصديقي ، وهو عارض صاحب دار للنشر له مكانته ، استقي منه بعض ما قد يغيب عني فيكون لمرافعتي هاته سند ، وتكون لي حجة .
وقد ينضاف إلى هذا الذي سبق مقاطعة بعض الكتاب للمعرض ، نتيجة المقاربة البوليسية ، كما وقع للكاتب الدكتور عبد الله حمودي، وكتابه الجديد “حضور في المكان”، وكذا ما وقع للكاتب الروائي الدكتور عبد القادر الدحمني وروايته ” معزوفة لرقصة حمراء” هذه الرواية التي طبعت بدعم من وزارة الثقافة ، وحازت شرف المنع في المعرض الجهوي للكتاب بالقصر الكبير في هذه السنة بإيعاز من وزارة الداخلية.
وكما يقال : كل ممنوع مرغوب فيه ، لربما كان المنع سببا في ذيوع وانتشار مثل هذه الأعمال العظيمة .
لكن السؤال المطروح ما هذه الردة الثقافية في زمن هجران الناس للكتاب؟
أكاد أجزم أن المعرض الدولي في هذه النسخة سيعرف نكسة وانتكاسة ، وقد يكون وقع هذه المصيبة أثرا بالغا على النسخ المستقبلية، وخاصة بالنسبة للعارضين الأجانب الذين ستتراجع مبيعاتهم من الكتب ، وربما من حيث لا يدري صناع القرار أن بصنيعهم هذا يسيئون للوطن ، فواجهة الثقافة من الواجهات ذات الأهمية في الترويج لوطن الحرية والتعددية وحقوق الإنسان ، والتي من ضمنها الحق في التعبير والتفكير كما يضمنه الدستور “فحرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان كما أوردت ذلك المادة 19”
وختاما معرض الكتاب يمنع الكتاب ويضيق على الكتاب والمؤلفين وينتقي ما يروق السلطة فقط هو معرض للرأي المحنط لا يستحق الزيارة فكلما دخلت السلطة شيئا أفسدته ، كما صرح بذلك الأستاذ منير الجوري في حائطه على الفايس .