التاريخ والبيداغوجيا ومعركة واترلو

7 يونيو 2023

الدكتور : خالد الصمدي

اشتغال الباحث المغربي المتميز الدكتور امحمد جبرون بمشروع تبسيط تاريخ المغرب حتى يكون في متناول الاطفال وهو بالمناسبة تمرين بيداغوجي معقد ،
يعيد طرح سؤال التكامل بين التاريخ والتربية ويذكرنا بسلسلة تاريخ المغرب للدكتور إبراهيم حركات، والتي كانت مقررة في المراحل الاعدادية والثانوية بالمدرسة المغربية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ،
فسلسلة تاريخ المغرب الموجهة للأطفال التي يقدمها الدكتور جبرون للجمهور بالمعرض الدولي للكتاب ( دون أن نتحدث عن الكتب المدرسية المقررة في مادة التاريخ ) تعرض المادة العلمية على القارئ الصغير بلطف وسلاسة وبساطة مع الحرص على التوثيق والتدقيق والتشويق ، وتصحح كثيرا من المعلومات والمفاهيم المغلوطة عن تاريخ المغرب وحضارته ،
وقد ذكرني هذا المشروع التكاملي بين التاريخ والتربية ، بقصة عشتها شخصيا تجسد عمليا هذا الجمع بين التاريخ والقراءة الواعية للتاريخ عن طريق التربية ،
فقد ساقتني الأقدار ذات سنة وزمرة من أصدقائي إلى موقع معركة واترلو ببلجيكا، وهو الموقع الذي يوجد به اليوم متحف وسينما . استوعبت وجود المتحف بما يتضمنه من آليات للمعركة ومخلفاتها ، لكنني لم أفهم وجود سينما في هذا المكان التاريخي المقفر الذي لا يرتاده إلا قلة من الزوار وبعض الجنود القدامى الذين يحرسون الموقع، وكأن حالهم يوحي برغبتهم في العودة إلى ساحة الوغى قبل أن تغادر روائح البارود أنوفهم ،
بعد جولة في المتحف دعينا إلى قاعة السينما لمشاهدة أحداث المعركة حية كما وقعت في التاريخ ، وكان يحضر بيننا فوج من تلاميذ إحدى الثانويات . يبدو أنهم كانو في رحلة دراسية إلى الموقع رفقة أساتذتهم ، ولم يكن حضورهم ليمنع من عرض مشاهد مرعبة لمجازر قضت بأرواح ملايين الأوروبيين في حروب طاحنة. وبعد انتهاء العرض واستراحة قصيرة ، فوجئنا باطلاق نسخة أخرى من نفس الفيلم بطريقة مختلفة السيناريو. فقد انضم الى الممثلين طفل وطفلة تدور كل مشاهد الفيلم على كيفية تعاونهما معا للنجاة من أهوال الحرب. مع ترديدهما لعبارات تفيد كراهيتهم لها . وأجمل ما في المشهد أنهما ينتميان إلى الدولتين المتحاربتين فالطفلة من بلاد الفرنسيس المنهزمين والطفل من بلاد الإنجليز المنتصرين .وكل واحد منهما يساعد الآخر على الاحتماء والنجاة في مختلف مشاهد الفيلم،
وقد استطاع المخرج أن يجعل قلوبنا وقلوب التلاميذ الحاضرين بيننا تبلغ الحناجر مع كل مشهد ، والكل يتلهف إلى نهاية سعيدة تتمثل في نجاة الطفل والطفلة معا ، مع تنمية إحساس المشاهد بكراهية شديدة للحروب، وقد نجح المخرج في ذلك ،
سؤال واحد دار في خلدي في نهاية العرضين . لماذا عرض الفيلم مرتين مع اختلاف في السناريو والشخصيات . فأجابني مرشد الموقع التاريخي قائلا. الأول اعتراف بالتاريخ كما هو دون تغيير وهذا أمر ضروري للمصالحة مع الذات وتنمية ثقافة الاستيعاب والاعتراف لدى التلاميذ ، والثاني قراءة تربوية واعية لهذه الوقائع بما ينمي ثقافة التجاوز والاستشراف .
خرجت من هذه الزيارة بخلاصة نقول: إن الاحتفال بالتاريخ لا يعني الاستمتاع بيوم عطلة مدرسية حين تحل ذكرى وطنية بقدر ما يعني شكلا آخر من أشكال التعلم بطريقة تمكن من القراءة الواعية للتاريخ من أجل صناعة المستقبل وهو ما يحققه التكامل بين التاريخ والتربية ، ومشروع سلسلة تاريخ المغرب للاطفال جزء لا يتجزأ من هذا الورش الكبير ،
شكرا للدكتور محمد جبرون على حسن الاستقبال وشرح تفاصيل مشروعه المتميز ، وفقه الله في مسيرته الأسرية والعلمية والمهنية ،ونفع به وبمشروعه آمين،

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading