أم الخير العسري :
تعمد أن يتأخر هذه الليلة عن المجيء إلى الدار فمزاجه سيء للغاية ، لذا فقد أطال المكوث في مقهى ” الجْلْدٓة ” ينش الذباب بالساعات يغزل الوقت ، عسى يجدها قد هزمها النوم وسافر بها إلى ملكوته فخمدت ، أما إذا طلع السر الإلهي فذلك ما كان يبغيه ، وتلك غاية المنى أراحت واستراحت ، وسيرتاح الجيران من معاركهما الليلية ، وسيخف على القطط صداع رأسها ، ولها عنده عزاء لا يليق إلا بالأمراء ، وسوف يشيعها بالطبل والغيطة إلى مثواها الأخير بمقبرة ” مولاي علي بوغالب ” غير آسف عليها ، وسيُطعم الجياع والمتشردين والحمقى والمغفلين هناك ، وسيظلون يدعون لها حتى يلد العصفور، وتبيض البقرة ، ويطير الفيل، وتنطق السمكة بأفصح مقال ، ويا عبد السلام عظم الله أجرك ، وغفرلنا ولها ، وما أحلى الحرية بعد مرارة السجن ، وما أبهى هذا الخيال لعبتك المفضلة التي تتقنها ببراعة ، ويا عبد السلام دعك منه فلن ينفعك الآن !
بلى ، ينفعني حين يدعني أسبح كما يحلو لي في بحره دون خوف ، وأركب صهوة حصانه لينطلق بي في دروب المتع ، وأتكلم مع رأسي بلا ضابط ولا وازع ، ويؤيد هذا الأخير كلامي بحماس كبير ، ويتقبل كل هرطقتي بخضوع وايمان وكأنه كتاب منزل مفعم بالدليل والبرهان !
أتعلم يا عزيزي أنه لو كان ثمة سلوى لي في هذه الحياة لقلت إنه الخيال من نعم الله على عباده المقهورين أمثالي!
مقطع سردي – 1 – من رواية ” الفرناتشي ”
( ترقبوا صدورها ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب / الرباط يونيو 2023 .