إشراقات ثقافية: من يغتال الشعراء ذ. مالكة العاصمي

16 أبريل 2023

من تقديم أمينة بنونة

محمد الخمار الكنوني في الذاكرة
إعداد وتنسيق الأستاذ محمد العربي العسري.

من يغتال الشعراء
ذ. مالكة العاصمي

محمد الخمار هذا الشاعر الذي أنبأ بميلاد عصر جديد في القصيدة والإبداع أول ما عرفته كان عن طريق أغنية أعلنت عن بدء ارتباط الأغنية المغربية بفضائها الحقيقي، عندما غنى له المطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي قصيدته الرائعة :

حبيبتي عدتُ، فهل ترى ليالينا تعـود؟
مـلء يـدي، سـوسـن ويـاسميـن وورود
القلب أضناه المسيـر يقطع الـدرب وحيد
من بعـد ما أتعبـه بحثـه عـن هـوى جديد
كان شاعرا رائعا مبشرا بخصوبة وعطاء وحيوية دفاقة. لقد كان العرب يحتفلون ويولمون وتأتي القبائل لتهنئهم عندما يولد فيهم شاعر، ولكن محمد الخمار بكل عفافه
وعذوبته ورقته ودماثته، لم تحتف به قبيلته. ظل ينثر أشعاره للريح ويغص بها في أعماق الليل، وفي معركة الحياة التي لا ترحم، وتشرق بها حنجرته ويحتبس بها صوته.
قد تكون الأغنيتان الرائعتان بيضة الديك والمؤكد أن غيابه كان يضج بالإدانة لكل محفل يتبوأ فيه الشعراء ولا يكون بينهم، وأن غيابه كان يصرخ بإدانة أوضاع كثيرة كانت تنال من قلب الشاعر في هذا العصر. ربما تكون هي الأوضاع الثقافية، ربما تكون هي الأوضاع الإنسانية، ربما تكون هي الأوضاع المهنية، وربما تكون غير ذلك، أو هي كل ذلك.
هكذا قتل الشاعر، اغتالته أيد ما وهو يمشي بكبرياء في أروقة الجامعة، يغوص في دماء الغدر. إنه شاعر الخمسينات والستينات، وعندما التقيته قبل سنتين، طفحت عشة عارمة لفرح مشترك ما بيننا، أسر إلي بضحكته العفيفة الصادرة عن فرح آخر مشترك يمثله صدور ديوانينا المرتهنين داخل الحنجرة منذ زمن بعيد.
صدر إذن بعد سنوات من القتل والمصادرة والحرق (رماد هيسبريس) رماد الأمل، رماد الشاعر الذي قتل غيله وحطمت آماله ونهكت، وصارت أمامه رمادا.
الشاعر الحق، أي شاعر حق، لاشك يكابد بالضرورة حالة الاحتراق التي تنير طريق مجتمعه وتنير فكر ووجدان هذا المجتمع، ولكنها تظل شعلة منيرة منورة. أما عندما تنطفئ، أما عندما تصير رمادا، فإن الشاعر يموت، يخسر المجتمع وتخسر الأمة ويخسر العصر وتخسر الحضارة كلها، صوتا صادقا صافيا حقا، لشاعر كان ضمير العصر، فتكالب عليه عصره.
ومن تم فقد قتل الشاعر الكبير محمد الخمار مرتين بل ثلاثا: مرة قبل رماد هيسبريس، ومرة بعدها عندما صار رماده رمادا، وما زال ينطوي على وجيعته حتى فاضت به وفاض بها.
انسل في غفلة منا، في غفلة من عصر جاحد، انسل تماما في صمت مدين..
جحدناه حيا. لعلنا أمة تغتال بنيها، أو تغتال غدها الذي يصنعه الشعراء.(ص.117/118)

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading