مقهى الجلدة الشعبي (الجزء الثاني)

5 أبريل 2023

عبد المجيد بوزيان :

يتناوب على العمل في مقهى الجلدة أربعة أشخاص بنظام واجب احترامه، وهؤلاء الأشخاص هم : المعلْم احمد مالك المقهى والملقب بالجلدة، ومساعده الزاكي الذي لا يقبل بتاتا مناداته بلقبه، والنادل مصطفى الملقب بالمعزة ، والنادل السي محمد الملقب بالطرَّاف رحمه الله، ولا حرج في مقهى الجلدة أن يُنادى الأشخاص بألقابهم. من مهام المعلْم احمد يوميا فتح المقهى بعد صلاة الفجر ووضع الطاولات والكراسي في أماكنها داخل المقهى وفي الواجهتين، ثم الدخول الى الوجق الذي لا تتعدى مساحته ثلاث أمتار مربعة، به رفوف من الخشب توضع عليها الكؤوس بعد غسلها ، وفرن من ثلاث مجامير فوقه زيزوة خاصة باعداد الشاي وأخرى باعداد القهوة وآنية لتسخين الماء (السخان) وثلاجة صغيرة الحجم، على يمين الوجق عُلق ميزان للحرارة لشركة أسبرو (aspro) دقيق جدا في تحديد حرارة اليوم، عمر هذا الميزان أكثر من أربعين سنة. في هذا الوقت من الصباح الباكر يشتغل المعلْم احمد لوحده، يعد كؤوس الشاي والقهوة ويوزعها على الزبناء، إلى أن يلتحق مساعده ونادل الفترة الصباحية في تمام الساعة التاسعة، في هذا التوقيت يغادر المعلم أحمد المقهى ليعود إليه ويستأنف عمله من جديد في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر،و من وقت إلى آخر يتوافد على المقهى زبناؤه الرسميون كل واحد منهم يجلس على الطاولة التي اعتاد الجلوس عليها، فمنهم من واكب طاولته سنين طويلة، وكل الزبناء يعلمون من يجلس على كل طاولة من طاولات المقهى، فداخل المقهى توجد خمس طاولات، موزعة على أربع زوايا والخامسة قرب النافذة التي تطل على شارع للا فاطمة الأندلسية، أما في واجهتي المقهى فيتم ترتيب ثمان طاولات. على الطاولة التي توجد قرب النافذة يجلس السي الطيب الرجل المسن وكان يبدو دائما بصحة جيدة، وقد كان إسما على مسمى، ويجلس عليها كذلك السي عبد السلام أستاذ التعليم الابتدائي، الإنسان الذكي والمعروف بحسن معاملته للجميع، كما يجلس عليها خاي احمد المغمض وهو مخازني متقاعد أذكى من الذكي يتقن اللغة الاسبانية ومن حين لآخر كان يلتحق بطاولة المتعلمين أو الطلبة ليشاركهم في نقاشاتهم فهو صاحب تجربة طويلة وذو حمولة معرفية محترمة لأنه متعود على القراءة والاستماع الى برامج الراديو الاسباني، كما كان يجلس على نفس الطاولة السي المسكيني وهو مخازني متقاعد هادئ الطبع محب للخير، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، كانوا جميعهم بارعين في لعب الورق (الروندا والتوتي والبيع والشرا) وكذلك في لعب الدومينو والبارتشي وهما لعبتان تركهما الاسبان في منطقة الشمال، فإذا شرعوا في اللعب يجتمع حولهم كثير من المتفرجين الذين كانوا يستمتعون بأروع اللحظات وهم يشجعون هذا الفريق أوذاك، كانت إحدى طاولات الواجهة المقابلة للنافورة جد محترمة لأن الذي يجلس عليها كان رحمه الله أستاذا للتعليم الثانوي كل من حاوره أو استمع إليه إلا ويتأكد أنه وطني حتى النخاع، وقد كان وفيا لعادته، يأتي إلى المقهى ومعه جريدتين أو ثلاث جرائد يقرأها وهو يرتشف فنجان الشاي الناقص سكر لأنه كان يعاني من داء السكري، كان يجلس على طاولة بالقرب منه مجموعة من المياومين الذين يقضون اليوم كاملا بمقهى الجلدة ينتظرون من يشغلهم، وقد كانوا يتعمدون الجلوس قرب الأستاذ كي يستفيدوا منه، فهو الذي كان من حين لآخر يلتفت إليهم ويتلو عليهم بعض ما جاء من أخبار في الجرائد ويفسر ويشرح مضامينها لأن جميع هؤلاء المياومين أميين أبجديا وبفضل هذا الرجل وبعد سنوات من المتابعة حاربوا أميتهم السياسية، وأصبحوا قادرين على مناقشة الطلبة والمتعلمين في قضايا سياسية كانت وطنية أو عالمية.
يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading