يوميات معتقل سابق : خلوات.

31 مارس 2023

ذ . ادريس حيدر

قد يحتاج المعتقل أحيانا إلى خلوات من أجل التأمل في مساره و مآله و استخلاص بعض النتائج و المحصلات .
و في هذا الإطار قمت في أكثر من مرة بطرح كثير من الأسئلة على نفسي و دائما كنت أجد لها أجوبة جامعة و مانعة و مقنعة .
مثلا :
– هل كان ضروريا هذا الاعتقال ؟
– و هل الحركة اليسارية في البلاد تمتلك استراتيجية و خيارات سياسية حقيقية لتخليص الوطن من الفساد و الفاسدين و الدفع بحركة التاريخ نحو تحقيق المجتمع الحر و الديمقراطي؟
و كان جوابي هو أنني مقتنع ان هذا الاعتقال هو ضريبة النضال و الإيمان بالقيم الفضلى ، كما أن ممانعة قبيلة اليسار لا بد أنه سَيُفْضِي إلى تحقيق الأهداف المبتغاة.
و بالتالي فتواجدي بالسجن برفقة باقي المناضلين هو قدري الذي لا أخشاه و لا اخافه بل إنه كان يزيدني قوة و ثباتا و إيمانا بالمبادئ السامية التي من خلالها سيتحقق رفاه المجتمع من خلال : العدل و الحرية و الديمقراطية .
و لكن و انا أراجع و أتأمل في خلوتي فترة اعتقالي ، خلُصْتُ في أكثر من مرة ، إلى أن هذه المحنة عرفتني بقيمة أشخاص ربما لم أنتبه لهم و آخرون كانوا قريبين و اعزاء.
فالأولون قدموا لي أثناء اعتقالي ما لم اكن انتظره أو أتوقعه، بحيث خصوصا يوما في الأسبوع لزيارتي ، و هم موظفون ، كنت اعمل بمعيتهم في نفس المؤسسة ، بحيث كانوا يفتحون اكتتابا فيما بينهم من أجل التبضع و شراء مستلزمات إقامتي بالسجن و التطوع لإعداد الطعام الذي كانوا يأتون به لأتناوله عوض وجبات السجن التي كانت جد رديئة .
و هؤلاء لم يكونوا أصدقاء أو معارف و إنما موظفون من مختلف مناطق المغرب ، كنت قد تعرفتُ عليهم في العمل .
و اما الآخرون الذين عشت معهم و جمعتني و إياهم فترة الطفولة و الشباب و ذكريات مشتركة ، أغلبهم لم يكلف نفسه عناء زيارتي بمبررات واهية ، و الحقيقة أنهم كانوا خائفين من الاقتراب مني فأحرى زيارتي في السجن .
لقد كانت فعلا فترة عصيبة نتيجة قمع أعمى و استبداد فظيع.
لقد كنت متفهما لظروفهم و بالتالي لم أعاتب أو ألوم أحدا منهم .
من جهة أخرى ابان كثير من الناس في الغالب اعرفهم معرفة سطحية أو بعيدة عن كثير من التضامن مع أسرتي و أسر المعتقلين بزيارتهم و دعمهم ماديا أحيانا.
و هذا ما لمسناه أثناء الإفراج علينا ، حيث كنا نشعر باحترام المواطنين لنا و عطفهم علينا و تقديرهم لنضالنا و كفاحنا و تقديمنا لتضحيات من عرقنا و دموعنا و قوتنا و دمنا من أجل وطن حر و ديمقراطي ، تُصانُ فيه كرامة المواطن .

يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading