ذ . ادريس حيدر
قد يحتاج المعتقل أحيانا إلى خلوات من أجل التأمل في مساره و مآله و استخلاص بعض النتائج و المحصلات .
و في هذا الإطار قمت في أكثر من مرة بطرح كثير من الأسئلة على نفسي و دائما كنت أجد لها أجوبة جامعة و مانعة و مقنعة .
مثلا :
– هل كان ضروريا هذا الاعتقال ؟
– و هل الحركة اليسارية في البلاد تمتلك استراتيجية و خيارات سياسية حقيقية لتخليص الوطن من الفساد و الفاسدين و الدفع بحركة التاريخ نحو تحقيق المجتمع الحر و الديمقراطي؟
و كان جوابي هو أنني مقتنع ان هذا الاعتقال هو ضريبة النضال و الإيمان بالقيم الفضلى ، كما أن ممانعة قبيلة اليسار لا بد أنه سَيُفْضِي إلى تحقيق الأهداف المبتغاة.
و بالتالي فتواجدي بالسجن برفقة باقي المناضلين هو قدري الذي لا أخشاه و لا اخافه بل إنه كان يزيدني قوة و ثباتا و إيمانا بالمبادئ السامية التي من خلالها سيتحقق رفاه المجتمع من خلال : العدل و الحرية و الديمقراطية .
و لكن و انا أراجع و أتأمل في خلوتي فترة اعتقالي ، خلُصْتُ في أكثر من مرة ، إلى أن هذه المحنة عرفتني بقيمة أشخاص ربما لم أنتبه لهم و آخرون كانوا قريبين و اعزاء.
فالأولون قدموا لي أثناء اعتقالي ما لم اكن انتظره أو أتوقعه، بحيث خصوصا يوما في الأسبوع لزيارتي ، و هم موظفون ، كنت اعمل بمعيتهم في نفس المؤسسة ، بحيث كانوا يفتحون اكتتابا فيما بينهم من أجل التبضع و شراء مستلزمات إقامتي بالسجن و التطوع لإعداد الطعام الذي كانوا يأتون به لأتناوله عوض وجبات السجن التي كانت جد رديئة .
و هؤلاء لم يكونوا أصدقاء أو معارف و إنما موظفون من مختلف مناطق المغرب ، كنت قد تعرفتُ عليهم في العمل .
و اما الآخرون الذين عشت معهم و جمعتني و إياهم فترة الطفولة و الشباب و ذكريات مشتركة ، أغلبهم لم يكلف نفسه عناء زيارتي بمبررات واهية ، و الحقيقة أنهم كانوا خائفين من الاقتراب مني فأحرى زيارتي في السجن .
لقد كانت فعلا فترة عصيبة نتيجة قمع أعمى و استبداد فظيع.
لقد كنت متفهما لظروفهم و بالتالي لم أعاتب أو ألوم أحدا منهم .
من جهة أخرى ابان كثير من الناس في الغالب اعرفهم معرفة سطحية أو بعيدة عن كثير من التضامن مع أسرتي و أسر المعتقلين بزيارتهم و دعمهم ماديا أحيانا.
و هذا ما لمسناه أثناء الإفراج علينا ، حيث كنا نشعر باحترام المواطنين لنا و عطفهم علينا و تقديرهم لنضالنا و كفاحنا و تقديمنا لتضحيات من عرقنا و دموعنا و قوتنا و دمنا من أجل وطن حر و ديمقراطي ، تُصانُ فيه كرامة المواطن .
يتبع