
من تقديم: أمينة بنونة
سبق للعلم الثقافي أن نشر في عددين متتاليين، الأول صدر يوم الخميس 30 يونيو 2022، والثاني يوم الخميس 7 يوليو 2022)، دراسة مطولة للأستاذ الدكتور مصطفى يعلى، تحت عنوان ( صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي: نموذج “كيد النساء.. كيد الرجال” للدكتورة فاطمة المرنيسي). وبمناسبة عيد المرأة (8 مارس)، وحلول شهر رمضان المبارك، يسر نوفوم الإخبارية الثقافية، أن تعيد نشر هذه الدراسة القيمة، وذلك توخيا لتعميم الفائدة.
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى
***************”
لطالما كان حضور المرأة مهيمنا بطريقة أو أخرى، سواء في الإبداع الرسمي قصة ورواية وشعرا ومسرحا وتشكيلا، أم في الأدب الشعبي حكايات وسيرا وأمثالا وشعرا شعبيا. وقد اكتسى هذا الحضور القوي للمرأة داخل القصص الشعبي حصرا، بتجليات مختلفة ومتنوعة تكاد تغطي كل مجالات الحياة. ويكفي للتأكد هنا، أن نشير إلى أن د. سهير القلماوي قد حصرت زخم تنويعات أدوار المرأة في متن واحد هو ألف ليلة وليلة، بين المرأة العاشقة، والجارية الحاذقة، والمرأة الخائنة، والمرأة المخلصة، والمرأة الشريرة، والمرأة المحاربة، والمرأة العالمة، والأم الرؤوم والأخت الحنون، وتصل إلى هذه النتيجة ((ظهرت المرأة في كل قصة من قصص الليالي تلعب دورها وتكون عنصرا هاما، إن لم يكن الأهم، في تسيير دفة الحوادث فيها)).(1)
بيد أن ما يهمنا نحن هنا، هو الانتباه إلى كون صورة المرأة، قد اتخذت إن في الإبداع الرسمي وإن في المتخيل الشعبي، شكلين متناقضين رسما ثنائية ضدية طرفاها الخير والشر. وطبعا، لا يمكن تجاهل أن هذه الوضعية ليست في حقيقتها إلا انعكاسا لوضع سوسيوثقافي مرتهن لتقاليد موروثة ومستدامة في المجتمع الذكوري الأبوي.
وينبغي ألا يغرب عن أذهاننا، كون المرأة في الأدب الشعبي، وخاصة في القصص الشعبي منه، تبدو شخصية قوية، تمتلك قدرات خاصة في الذكاء والمكر والاحتيال واجتراح المبادرات، مثلما تتمتع بمعنويات عالية، وبثقة في النفس لا حدود لها، وكفاءات ندية تبز مثيلاتها لدى خصمها الرجل.
ومع ذلك، فإن هذا القصص، قد مال أكثر إلى رسم صورة جد سلبية للمرأة، مع استثناء نصوص معدودة من أنواع هذا الخطاب، قد أضفت على المرأة صورا مشرقة وممجدة، من مثل كدح الأم، وحنان الأخت، ووفاء الزوجة وتدبيرها، وحكمة العجوز ومساعداتها، وحذق الجارية، وإخلاص الحبيبة الخ… كما قد يحدث أن تحقق المرأة في القصص الشعبي، هدفها من صراعها مع الرجل، باللين والنعومة وإعمال العقل، دون حاجتها إلى استعمال سلاح المسخ والإيذاء والمكر والنصب والاحتيال وما أشبه. وقد لخص د. شكري محمد عياد هذه الثنائية بصورة مركزة، عبر ملاحظته الدقيقة، حول العلاقة الصراعية بين شهريار (رمزا للرجل) وشهرزاد (رمزا للمرأة) في ألف ليلة وليلة، بقوله:
((وإذا كانت المرأة الشريرة قادرة على أن تمسخ زوجها الذي فشل في إرضائها حيوانا، فإن فتاة صغيرة طاهرة تعيده إنسانا. وهكذا فعلت شهرزاد طبقا لقانون سمبولوجي مجرب، قديم قدم الأسطورة نفسها. لم تكن شهرزاد ساحرة، كما أن شهريار لم يكن كلبا أو تيسا، ولكنها روت حكايات السحرة فأصبح لحكاياتها فعل السحر)).(2)
ولا تفوت المتلقي المطلع على المتون القصصية الشعبية، المواصفات الإيجابية لصورة المرأة في بعض النصوص الحكائية، التي تعلي من شأنها وتبجلها، غير أن هذا لا ينفي كون صورتها المهيمنة في القصص الشعبي عامة، هي التي تشيطنها في علاقتها الشائكة بالرجل، تلك العلاقة القائمة على الكيد والمكر والخداع والتحايل والخيانة والتهكم والإساءة والأذى من جانبها. وهي علاقة تنوء بالخصومات والصراع المرير والتنافس الاحترابي مع الرجل. علما بأن الصراع هنا قد تنتج عنه الإساءة المنكرة المؤذية والموجعة للرجل، أو المكر والسخرية المقبولان، وأن هذا الصراع بين المرأة والرجل، قد اتخذ في بعض النصوص من القصص الشعبي، صراعا نوعيا مختلفا، إذ يؤول باعتباره صراعا بين العنف المجسد في الرجل، والعقل المشتغل لصالح المرأة، أو بكلمة أخرى بين الشر والخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ألف ليلة وليلة، دار المعارف بمصر، سل. مكتبة الدراسات الأدبية، القاهرة، 1966، ص. 323.
2) القفز على الأشواك: الليالي وقضية المرأة، مجلة (الهلال)، ع. 4، س. 103، القاهرة، 1995، ص. 92.
يتبع