يوميات معتقل سابق (17) طرائف من السجن .

4 مارس 2023

ذ . ادريس حيدر

و بينما كنت في فسحة أتجول برفقة بعض الرفاق بساحة السجن التي كانت مبللة كما العادة بالماء بفعل الرطوبة و ندى الليالي الباردة .
أوقفنا أحد المناضلين، مخبرا إيانا أن أحد الفتية المعتقلين شاخ ، و أصبح فجأة هرما ، و أن الأمر خطير و يستدعي إبلاغ إدارة السجن من أجل إخبار الجهات ذات الصلة بغية معرفة السبب و أنه يخاف أن نشيخ جميعا لأسباب مجهولة ، و أضاف ربما يتعلق الأمر بالطعام الذي يتناوله المعتقلون أو الماء الذي يشربونه أو النتانة و الاوساخ التي تعم و تتواجد في كل زوايا و أركان السجن .
هرع الجميع نحو زنزانة الفتى ، و طُلِب منه أن يرفع رأسه للتأكد مما أُصيب به و كذا من التغييرات الفسيولوجية التي طرأت عليه ، و بالمناسبة كان يحمل نظارات طبية سميكة و بالتالي أصبح يبدو شيخا .
كان حزينا و يكاد يبكي خاصة و أنه يجهل الأسباب الحقيقة التي كانت وراء ما ألَمَّ به .
و كانت تُوجه له أسئلة لا جواب له عليها ك:
– هل تناولت أكلا لم تتناوله من قبل ؟
– متى شعرت بهذه التغيرات ؟
– هل سبق لك أن تعرضت لها من قبل ؟
– كم دامت من الوقت ؟
كاد الفتى ينهار بسبب الرعب و الخوف الذي انتابه و التفاف المعتقلين عليه لدرجة أنه كان يجد صعوبة في التنفس فضلا عن مضايقته بالأسئلة التي لم يكن له جوابا عليها و مرافقتها بضحك البعض على الشكل الذي أصبح عليه ذاك الشاب الذي كان يبدو شيخا .
نُقِلَ باستعجال إلى المستشفى، فيما خيم الرعب على باقي المعتقلين الذين تخوفوا من زحف الشيخوخة عليهم قبل الأوان و خاصة أن البعض منهم كان لازال شابا و في مقتبل العمر .
خضع الفتى لفحوصات طبية دقيقة و تبين أنه أصيب بحساسية عند تناوله لمنتوجات معلبة .
خضع لعلاجات أولية مكثفة ، و ظل بالمستشفى لمدة يومين ، و أُعِيد للسجن ثانية و كانت حالته عادية و طبيعية بل و رجع شكله كما كان و أصبح ذلك الشاب العشريني المقبل على الحياة .
و في حالة أخرى، كانت وجبات الأكل التي تأتي بها الأسر لأبنائها المعتقلين تُجَمَّعُ من طرف ” لجنة الحوار ” و توزع من جديد على المعتقلين بما يُعَزِّزُ التضامن و التآزر بينهم و ذلك بإعادة توزيعها تحقيقا لهدف إطعام الجميع دون تمييز ، خاصة أن بعض عائلات المعتقلين تسكن في مناطق بعيدة عن العاصمة ” الرباط ” بل و نائية أحيانا مما كان يصعب عليها تزويد أبنائها بالطعام كل اسبوع .
و هكذا كان من نصيب المائدة التي كنت برفقة معتقلين آخرين نلتف حولها ” طاجين ” بالأرنب .
فرح الأصحاب بهذه الوجبة الشهية ، و كان أحد الرفاق – توفي اخيرا بسبب فيروس ” كورونا ” – يتأمل الوجبة و يرفع صوته عاليا :
” هل يُعْقل أن نتناول طعاما لذيذا يُسيل اللعاب في سجن ذو سمعة جد رديئة ؟”
و يلتفت إلي قائلا :
” ها انت يا صديقي في فندق من خمسة نجوم ، بالرغم من قمع و استبداد الحاكمين ” .
قضينا فترة الغذاء و نحن نعلق على الوجبة الاستثنائية التي كانت من حظ الملتفين حول تلك المائدة .
كنت كلما تناولت بعضا من لحم الأرنب ، إلا و شعرتُ به صعب التناول و المضغ ، و أوشوش في أذن رفيقي مبلغا إياه ، أن لحم الأرنب ليس رطبا و لَيِّناً ، و كان يرد عليَّ :
” احمد الله ، لأنك تتناول طعاما شهيا في سجن سيء الذكر ”
مرَّ أسبوع على تناولي و رفاقي وجبة ” الأرنب ” و صادف يوم زيارة العائلات لأبنائها المعتقلين ، و أُبْلِغِ أحدنا من طرف عائلته أن تلك الوجبة لم تكن ارنبا بل قطا .
و هي إحدى العادات السائدة في بعض البوادي المغربية و التي تقضي بإطعام السجين بقط، و لن يعود بعدها للسجن أو أنه سيكون فألا حسنا و لن يُزَج بعدها في أي معتقل .
خرج ذاك الرفيق من المزار و يكاد يسقط أرضا من الضحك الهستيري و يشير بأصبعه اتجاهي.
لم افهم شيئا ، فَدَنَوْتُ منه مستفسرا ، فأكد لي بصوت عال و متحجرش و لعاب فمه ينساب و يسيل من فمه خيوطا ، و عينيه مغروقتين بالدموع من كثرة الضحك بل و تسيل على خده :
” انت لم تأكل في الأسبوع الماضي ارنبا بل قطا ”

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading