ذ . ادريس حيدر
و بينما كنت في فسحة أتجول برفقة بعض الرفاق بساحة السجن التي كانت مبللة كما العادة بالماء بفعل الرطوبة و ندى الليالي الباردة .
أوقفنا أحد المناضلين، مخبرا إيانا أن أحد الفتية المعتقلين شاخ ، و أصبح فجأة هرما ، و أن الأمر خطير و يستدعي إبلاغ إدارة السجن من أجل إخبار الجهات ذات الصلة بغية معرفة السبب و أنه يخاف أن نشيخ جميعا لأسباب مجهولة ، و أضاف ربما يتعلق الأمر بالطعام الذي يتناوله المعتقلون أو الماء الذي يشربونه أو النتانة و الاوساخ التي تعم و تتواجد في كل زوايا و أركان السجن .
هرع الجميع نحو زنزانة الفتى ، و طُلِب منه أن يرفع رأسه للتأكد مما أُصيب به و كذا من التغييرات الفسيولوجية التي طرأت عليه ، و بالمناسبة كان يحمل نظارات طبية سميكة و بالتالي أصبح يبدو شيخا .
كان حزينا و يكاد يبكي خاصة و أنه يجهل الأسباب الحقيقة التي كانت وراء ما ألَمَّ به .
و كانت تُوجه له أسئلة لا جواب له عليها ك:
– هل تناولت أكلا لم تتناوله من قبل ؟
– متى شعرت بهذه التغيرات ؟
– هل سبق لك أن تعرضت لها من قبل ؟
– كم دامت من الوقت ؟
كاد الفتى ينهار بسبب الرعب و الخوف الذي انتابه و التفاف المعتقلين عليه لدرجة أنه كان يجد صعوبة في التنفس فضلا عن مضايقته بالأسئلة التي لم يكن له جوابا عليها و مرافقتها بضحك البعض على الشكل الذي أصبح عليه ذاك الشاب الذي كان يبدو شيخا .
نُقِلَ باستعجال إلى المستشفى، فيما خيم الرعب على باقي المعتقلين الذين تخوفوا من زحف الشيخوخة عليهم قبل الأوان و خاصة أن البعض منهم كان لازال شابا و في مقتبل العمر .
خضع الفتى لفحوصات طبية دقيقة و تبين أنه أصيب بحساسية عند تناوله لمنتوجات معلبة .
خضع لعلاجات أولية مكثفة ، و ظل بالمستشفى لمدة يومين ، و أُعِيد للسجن ثانية و كانت حالته عادية و طبيعية بل و رجع شكله كما كان و أصبح ذلك الشاب العشريني المقبل على الحياة .
و في حالة أخرى، كانت وجبات الأكل التي تأتي بها الأسر لأبنائها المعتقلين تُجَمَّعُ من طرف ” لجنة الحوار ” و توزع من جديد على المعتقلين بما يُعَزِّزُ التضامن و التآزر بينهم و ذلك بإعادة توزيعها تحقيقا لهدف إطعام الجميع دون تمييز ، خاصة أن بعض عائلات المعتقلين تسكن في مناطق بعيدة عن العاصمة ” الرباط ” بل و نائية أحيانا مما كان يصعب عليها تزويد أبنائها بالطعام كل اسبوع .
و هكذا كان من نصيب المائدة التي كنت برفقة معتقلين آخرين نلتف حولها ” طاجين ” بالأرنب .
فرح الأصحاب بهذه الوجبة الشهية ، و كان أحد الرفاق – توفي اخيرا بسبب فيروس ” كورونا ” – يتأمل الوجبة و يرفع صوته عاليا :
” هل يُعْقل أن نتناول طعاما لذيذا يُسيل اللعاب في سجن ذو سمعة جد رديئة ؟”
و يلتفت إلي قائلا :
” ها انت يا صديقي في فندق من خمسة نجوم ، بالرغم من قمع و استبداد الحاكمين ” .
قضينا فترة الغذاء و نحن نعلق على الوجبة الاستثنائية التي كانت من حظ الملتفين حول تلك المائدة .
كنت كلما تناولت بعضا من لحم الأرنب ، إلا و شعرتُ به صعب التناول و المضغ ، و أوشوش في أذن رفيقي مبلغا إياه ، أن لحم الأرنب ليس رطبا و لَيِّناً ، و كان يرد عليَّ :
” احمد الله ، لأنك تتناول طعاما شهيا في سجن سيء الذكر ”
مرَّ أسبوع على تناولي و رفاقي وجبة ” الأرنب ” و صادف يوم زيارة العائلات لأبنائها المعتقلين ، و أُبْلِغِ أحدنا من طرف عائلته أن تلك الوجبة لم تكن ارنبا بل قطا .
و هي إحدى العادات السائدة في بعض البوادي المغربية و التي تقضي بإطعام السجين بقط، و لن يعود بعدها للسجن أو أنه سيكون فألا حسنا و لن يُزَج بعدها في أي معتقل .
خرج ذاك الرفيق من المزار و يكاد يسقط أرضا من الضحك الهستيري و يشير بأصبعه اتجاهي.
لم افهم شيئا ، فَدَنَوْتُ منه مستفسرا ، فأكد لي بصوت عال و متحجرش و لعاب فمه ينساب و يسيل من فمه خيوطا ، و عينيه مغروقتين بالدموع من كثرة الضحك بل و تسيل على خده :
” انت لم تأكل في الأسبوع الماضي ارنبا بل قطا ”
يتبع…