الفنان محمد الرايس – فرنسا
كل الفنانين على إختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ، سواء فطريين أو عصامين ، أو خريجي مدارس وكليات الفن يختلفون في التكوين وطرق التعبير والرؤية الفنية ، الجميل في الفن ليس التشابه في نفس المواضيع والأفكار بل في الإختلاف والتعبير ، وهنا يكمن ثراء الابداع الفني ، والمعروف في بلادنا جل الفنانين فطريين أو عصاميين ، أو مدرسين لمادة التربية التشكيلية بإعداديات وينشطون كفنانين ، في المغرب ليس لنا كليات للفنون الجميلة موزعة جغرافيا حسب الجهات ،فقط لنا مدرستان صغيرتان واحدة بتطوان ورثناها عن الحماية الاسبانية، ومدرسة بالبيضاء عن المعمر الفرنسي ، وخريجي هاتان المدرستان العديد لم يحالفهم الحظ أن يدرسوا الفن بالخارج منذ وجودها ، ومن حالفهم الحظ القليل من استطاعوا أن ينهون دراستهم الفنية العليا ، و الحصول على اعتراف رسمي ببحوثهم الفنية من طرف مختصين في مجال الإبداع الفني ، وهناك من قرر مصيره بالخارج ، ومنهم من عاد للوطن ، فإصطدم بواقع فني بعيدا كل البعد عن ما قدمه كمشروع بحث فني بالكلية الفنية التي تابع بها ، الفن عندنا تطاله الفوضى وسوء التنظيم ، و غياب فهم معمق بماهيته كإبداع فني مستقل بذاته ، والغالبية العظمى لا تفقه في اللغة التشكيلية و مفرداتها ومصطلحاتها برؤية فنية وفكرية، والعامل السلبي لهذه المعضلة مرده غياب الثقافة البصرية لدى عدد كبير من المثقفين والجامعيين وعامة الناس ، ومعظم الفنانين في بلادنا مستواهم متقارب في الممارسة الفنية ، وطرق التنفيذ والمواد التي يشتغلون بها،غالبية الممارسين متشبتين بلوحة الحامل والإطارات التقليدية، والكل يحاكي ويغازل نفس المواضيع،وماهو مستهلك ومتجاوز الكل يهتم بالتزيين وليس بالتشكيل بمفهوم صحيح، و هذه الظاهرة هي المؤلوفة عندنا و لدى عامة الناس،وفعلا هذه الظاهرة مسألة عادية وتوجد في جميع دول العالم ، لكن في البلدان المتخلفة عن الركب الفني ، فهي مستفلحلة ومقززة ، وأما ما نسميه فن النخبة والوسط الفني الحداثي في بلادنا ويواكب ماهو معاصر مازال خجولا وليس له سوق فني ملموس وجمهوره محدود ، جل فنانينا يهتمون بما هو محلي ويشتغلون على نفس الصياغة ، ويقلدون بعضهم البعض وكأن الفن صناعة تقليدية ومهارات حرفية ، وليس بحث وتجريب ومواكبة وإضافة الجديد ، وخصوصا بالمدن الصغرى فهذ الظاهرة هي الطاغية وهي حالة عادية ويجب تفهم الخلل، وبكل صدق كل من يعبر ويقلد ويزوق ، ويتفنن في الصياغة الحرفية والفلكلورية فهو فنان وليس لأي كان أن يسقط عنه صفة فنان ، لكن المثير للدهشة والإستغراب هو غياب مشرفين ومسيرين عن تنظيم المعارض بدون تصور ولا فلسفة مسبقة (كأننا في هندقة كرنفالية ( أو بزار و عاشوراء ) والتمييز بين فنان تشكيلي مبدع (créateur ) باحث وله مسار فني يشتغل عليه ، وبين رسام حرفي مألوف يشتغل تحت الطلب ، وبين ماهو ساذج أو تقليدي أو حديث. والجمهور الذي له وعي وفطنة فنية والقادر على على التفاعل هو مايلمس ذلك ، أما الفن بمفهوم معاصر فهو شبه منعدم ، والفنانين المعاصرين هم على رؤوس الأصابع ….