يوميات معتقل سابق(16). معتقلو الحق العام .

25 فبراير 2023

ذ . ادريس حيدر : 

كان عمران سجن ” لعلو ” و السجن المدني بالقنيطرة ” العواد ” قديم ، متآكل و أحيانا متداع للسقوط بل و كانت حيطانهما باردة و تنخرهما الرطوبة ، بحيث يصعب الاتكاء عليها أو احتكاك أحد أطراف الجسم بها بحيث تتسخ ببقايا صباغتهما و ترابهما القديم و المتساقط .
و أتذكر أن ساحة سجن ” لعلو ” سيء الذكر ، كانت مبللة طيلة اليوم نتيجة رطوبة البحر الذي كان يجاوره ، و كذلك للليالي الندية و الباردة لفصلي الشتاء و الخريف.
كما أن تجهيزاته من اسلاك الكهرباء و أنابيب الماء أو الصنابير كانت متهالكة و صدئة و معرضة للعطب بين الفينة و الأخرى.
ثم إن هذا السجن كان في الأصل إسطبلا لخيول أحد السلاطين و أُرْجِعَ سجنا و بذلك أمسى جحيما لمحدوديته الاستيعابية و لهندسته الغير الموائمة لإقامة البشر .
و عند ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف ، كانت تعم السجن رائحة نتنة جدا ، هي للبشر المكتظ و لانعدام التهوية .
بالفعل كان جحيما فوق الأرض.
هذا السجن كان يحوي جناحين ، يُطْلقُ على الأول: الحي العصري (quartier Moderne ) و الثاني الشريفي ( quartier chérifien ) .
و يُحْكَى أن المعتقلين الفرنسيين و كذا الأشخاص الذين كانت لهم مواقع اعتبارية في المجتمع ، كان يُزَجُ بهم في الحي الأول، و يتميز بزنازينه الصغيرة و افرشته و مراحيض العصرية .
أقام فيه بعض الوزراء و الذين كانوا قد توبعوا في السبعينات من أجل خيانة الأمانة و اختلاس الأموال العامة …الخ .
فيما الحي الثاني ، كان مخصصا لعامة المعتقلين و أغلبهم من فقراء الشعب .
و هكذا يعيش المعتقلون طبقية مقيتة حتى و هم يقبعون في السجن في وضعية لا إنسانية.
في الجناح الشعبي من السجن ، تسود كل الممارسات الممنوعة ك : الاتجار في المخدرات و الكحول …الخ . فضلا على أن السيطرة و التحكم دائما تكون للأقوى .
و تتكون داخل المعتقل عصابات تحمي في الغالب مصالحها و تفرض قوانين و ممارسات ظالمة و مشينة .
و تكثر في هذا الحي جرائم الاغتصاب التي يتعرض لها بعض الرجال الذين يتميزون ببعض الوسامةاو الجاذبية و أحيانا تتم هذه الممارسات لتصفية الحسابات أو لمجرد الإهانة .
و لا زلت أتذكر أنني و رفاقي سمعنا في إحدى الليالي أصداء حفل كانت تجري وقائعه لدى معتقلي الحق العام في إحدى الزنازن الكبرى و ظل إلى ساعة متأخرة من الليل ، و كانت أصداء الاغاني التي تصاحب العريس ليلة زفافه يتردد صداها في كل أرجاء السجن .
اعتقد الجميع أن سجناء الحق العام أقاموا حفلة للترويح
عن النفس .
لكن صباح الغد علم المعتقلون أن الحفل كان يتعلق بزفاف رجل لرجل ، و كان قد أُلْبِسَ أحدهما لباسا نسائيا و زُيِّنَ ببعض المساحيق و هي عبارة عن بقايا رماد أعقاب السجائر و الورق الفضي المقوى لعب السجائر.
و لاحظت كما غيري علاقات الحب و الهيام التي كانت تنشأ بين بعض الأحداث فيما بينهم أو بين البعض منهم و بين معتقلين راشدين ، حيث كانوا يتبادلون الرسائل الغرامية نظرا لبعد المسافة بين جناحيهما .
و بشكل عام ، فالسجن المغربي في القرن الماضي كان بمثابة مقبرة ، حيث تنتشر الأمراض المعدية و يُمْنَعُ المعتقلون من أبسط حقوقهم و يكون مصير البعض منهم من الذين يحتجون على تلك الأوضاع المزرية و الرديئة هو الاعتداء عليهم من طرف الحراس بالضرب و رميهم في سجن السجن و المسمى ب” الكاشو ” ” cachot” .
كما أن أغلب المعتقلين لا يحظون بزيارة أهاليهم أوالإستمتاع بتناول طعام عائلاتهم.
و مما كان يثير الانتباه هو أن معتقلي الحق العام الذين قضوا مدة طويلة في السجن بسبب جناية ارتكبوها ، كانوا يفقدون القدرة على التعبير و التواصل ، و تُصبح لغتهم محدودة الشكل و المضمون و هي اللغة المستعملة في السجن ، التي تكثر فيها مصطلحات غريبة و غير مفهومة من طرف الغير .
إن تواجد سجين يقضي عقوبته الحبسية في سجن ” لعلو ” ، كان بمثابة سفر نحو الجحيم .
و اما السجن المدني بالقنيطرة بالرغم من كونه أحسن من الاول من حيث الإيواء ، النظافة و التنظيم ، إلا أنه لا يختلف عنه من حيث التدبير الإداري و التسيير ، حيث يسود القمع و الاستبداد و الاستبعاد و ممارسات أخرى فظيعة .

يتبع..

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading