ذ . ادريس حيدر :
كان عمران سجن ” لعلو ” و السجن المدني بالقنيطرة ” العواد ” قديم ، متآكل و أحيانا متداع للسقوط بل و كانت حيطانهما باردة و تنخرهما الرطوبة ، بحيث يصعب الاتكاء عليها أو احتكاك أحد أطراف الجسم بها بحيث تتسخ ببقايا صباغتهما و ترابهما القديم و المتساقط .
و أتذكر أن ساحة سجن ” لعلو ” سيء الذكر ، كانت مبللة طيلة اليوم نتيجة رطوبة البحر الذي كان يجاوره ، و كذلك للليالي الندية و الباردة لفصلي الشتاء و الخريف.
كما أن تجهيزاته من اسلاك الكهرباء و أنابيب الماء أو الصنابير كانت متهالكة و صدئة و معرضة للعطب بين الفينة و الأخرى.
ثم إن هذا السجن كان في الأصل إسطبلا لخيول أحد السلاطين و أُرْجِعَ سجنا و بذلك أمسى جحيما لمحدوديته الاستيعابية و لهندسته الغير الموائمة لإقامة البشر .
و عند ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف ، كانت تعم السجن رائحة نتنة جدا ، هي للبشر المكتظ و لانعدام التهوية .
بالفعل كان جحيما فوق الأرض.
هذا السجن كان يحوي جناحين ، يُطْلقُ على الأول: الحي العصري (quartier Moderne ) و الثاني الشريفي ( quartier chérifien ) .
و يُحْكَى أن المعتقلين الفرنسيين و كذا الأشخاص الذين كانت لهم مواقع اعتبارية في المجتمع ، كان يُزَجُ بهم في الحي الأول، و يتميز بزنازينه الصغيرة و افرشته و مراحيض العصرية .
أقام فيه بعض الوزراء و الذين كانوا قد توبعوا في السبعينات من أجل خيانة الأمانة و اختلاس الأموال العامة …الخ .
فيما الحي الثاني ، كان مخصصا لعامة المعتقلين و أغلبهم من فقراء الشعب .
و هكذا يعيش المعتقلون طبقية مقيتة حتى و هم يقبعون في السجن في وضعية لا إنسانية.
في الجناح الشعبي من السجن ، تسود كل الممارسات الممنوعة ك : الاتجار في المخدرات و الكحول …الخ . فضلا على أن السيطرة و التحكم دائما تكون للأقوى .
و تتكون داخل المعتقل عصابات تحمي في الغالب مصالحها و تفرض قوانين و ممارسات ظالمة و مشينة .
و تكثر في هذا الحي جرائم الاغتصاب التي يتعرض لها بعض الرجال الذين يتميزون ببعض الوسامةاو الجاذبية و أحيانا تتم هذه الممارسات لتصفية الحسابات أو لمجرد الإهانة .
و لا زلت أتذكر أنني و رفاقي سمعنا في إحدى الليالي أصداء حفل كانت تجري وقائعه لدى معتقلي الحق العام في إحدى الزنازن الكبرى و ظل إلى ساعة متأخرة من الليل ، و كانت أصداء الاغاني التي تصاحب العريس ليلة زفافه يتردد صداها في كل أرجاء السجن .
اعتقد الجميع أن سجناء الحق العام أقاموا حفلة للترويح
عن النفس .
لكن صباح الغد علم المعتقلون أن الحفل كان يتعلق بزفاف رجل لرجل ، و كان قد أُلْبِسَ أحدهما لباسا نسائيا و زُيِّنَ ببعض المساحيق و هي عبارة عن بقايا رماد أعقاب السجائر و الورق الفضي المقوى لعب السجائر.
و لاحظت كما غيري علاقات الحب و الهيام التي كانت تنشأ بين بعض الأحداث فيما بينهم أو بين البعض منهم و بين معتقلين راشدين ، حيث كانوا يتبادلون الرسائل الغرامية نظرا لبعد المسافة بين جناحيهما .
و بشكل عام ، فالسجن المغربي في القرن الماضي كان بمثابة مقبرة ، حيث تنتشر الأمراض المعدية و يُمْنَعُ المعتقلون من أبسط حقوقهم و يكون مصير البعض منهم من الذين يحتجون على تلك الأوضاع المزرية و الرديئة هو الاعتداء عليهم من طرف الحراس بالضرب و رميهم في سجن السجن و المسمى ب” الكاشو ” ” cachot” .
كما أن أغلب المعتقلين لا يحظون بزيارة أهاليهم أوالإستمتاع بتناول طعام عائلاتهم.
و مما كان يثير الانتباه هو أن معتقلي الحق العام الذين قضوا مدة طويلة في السجن بسبب جناية ارتكبوها ، كانوا يفقدون القدرة على التعبير و التواصل ، و تُصبح لغتهم محدودة الشكل و المضمون و هي اللغة المستعملة في السجن ، التي تكثر فيها مصطلحات غريبة و غير مفهومة من طرف الغير .
إن تواجد سجين يقضي عقوبته الحبسية في سجن ” لعلو ” ، كان بمثابة سفر نحو الجحيم .
و اما السجن المدني بالقنيطرة بالرغم من كونه أحسن من الاول من حيث الإيواء ، النظافة و التنظيم ، إلا أنه لا يختلف عنه من حيث التدبير الإداري و التسيير ، حيث يسود القمع و الاستبداد و الاستبعاد و ممارسات أخرى فظيعة .
يتبع..