ا د . محمد البدوي :
قالت الأم للولد: اشتري البطاطس ، قال الولد للأم : أنا لا أستطيع شراء البطاطس.
قالت الأم للولد : إذن اشتري البصل ، قال الولد : أنا لا أستطيع شراء البصل.
قالت الأم للولد : إذن اشتري الطماطم ، قال الولد : أنا لا أستطيع شراء الطماطم.
قالت الأم للعصى : اضرب الولد ، قالت العصى للولد : اشتري الجزر ، فاشترى الولد الجزر ، فامتنعت العصى عن ضرب الولد .
قال الولد : الجزر يقوي فعالية البصر .
قالت الأم للولد : لماذا لم تشتر البطاطس ولا الطماطم ولا حتى البصل ، واكتفيت فقط بحزمة جزر؟
قال الولد : يا أماه ،إنها النار ، قالت الأم للنار : احرق العصا لأنها لم تضرب الولد، والولد لم ولن يشتر البطاطس ولا الطماطم ولا حتى البصل .
قالت النار : أنا لا أحرق العصا، والعصا لن تضرب الولد، والولد لا يستطيع المسكين الشراء.
قالت الحكومة : أوقدوا على الناس النار ، حتى تشتعل الأسعار .
تساءل الناس عن اشتعال الأسعار ، أجابت الحكومة: ليس بيدنا القرار ، قال الشعب : ترى من وراء اشتعال النار في الأسعار ؟ قال أحدهم ربما يكون رئيس الحكومة ، باعتباره رئيسا للتجار .
وقال آخر إنه من يتحكم في المحروقات، وإذا انخفضت أسعارها ستنخفض لزاما الأسعار.
قال الشعب : “وخا تعيا متطفي غتشعل غتشعل”…..هي نار المواطن نار قوية غتشعل….
قال المخزن للماء : أطفئ النار ، قال المخزن وكيف أطفئ النار ؟
قال أصحاب القرار : اشغلوا الناس بالكرة والجزائر و بالجنرالات……
قلت للبصل : أراك أصبح لك قيمة وشأنا عظيما ، وكنا في ما مضى إذا أردنا أن نتهكم على أحدهم نقول له : ( لا تساوي بصلة)، ماذا بك ، وكنت قد اشتريتك فيما مضى بدرهم للكيلو ، يطوفون بك بالأحياء والأزقة ( والبصلة درهم ، والبصلة درهم)…..
قلت للفلاح لماذا تغالي في ثمن البصل؟ قال لي الفلاح: كذبوك فقالوا، أنا المسؤول، فأنا أبيعها بخمس دراهم معدودات.
قلت للبصل : إلى أين أنت ذاهبة متزينة وجميلة متجملة ؟ قالت وهي مبتسمة ابتسامة الميت المذعور : إلى الميناء أقصد : اسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا…..
قلت: إذن هنيئا لك ، تباعين هناك بأثمنة مرتفعة ، فيستفيد الفلاح ويستفيد الوطن.
قالت البصل : ويحك! كنت أحسبك من الأدكياء ومن الخبراء في الإقتصاد .
فأنا أباع في أوروبا بخمس دراهم ، وأنا بكر عوان بين ذلك ، فإن قبلوا بي عروسا في أسواقهم فذاك ، وإن تيبت بسفاح ورفضوني ، رجعت عندكم بضعف ثمني ، يعني عشر دراهم معدودات .
قلت : ويلك ، أنهون عليك ، ويرتفع ثمنك ، ونحن الضعفاء والمساكين والمعوزين والمحتاجين…..
تركت البصل وتوجهت للبطاطس وقد اغبر لونها، والطماطم وقد احمر وجهها حياء مني، وقلن لي : صدقتك صاحبتنا البصلة .
قلت : في وطني أصبحت لا أساوي بصلة .
وأنت أيتها ( المطيشية) الجميلة المحيا الوضيئة الوجه، الحيية الكريمة، نحبك ونعشقك ، كنت لنا نعم السند ونعم المعين، كم كنا نبادر إليك ونهرع كلما حل بنا الجوع ، ولم نستطع عليه صبرا .
كم كنا نتوسل بك صحبة بيضتين أو ثلاث، فنجعل منك وجبة سريعة شهية .
وكم كان يزيد حبنا لك أيتها الجميلة صاحبة الخدود الحمر في رمضان، فأنت صانعة الحريرة اللذيذة .
لماذا أظهرت وجهك البشع ، وكشرت عن أنياب الجشع ، وتضامنت مع البيض والبطاطس والبصل ، وكنت فيما مضى حبيبة طلبة العلم، ومعشوقة العزاب، وموئل الفقراء والمساكين والمحتاجين وعابري السبيل .
أيتها (المطيشة) رحمة بنا فقد ضاقت بنا المعيشة .
فناديت على على البقرة وقلت لها : اشربي الماء ، وقلت للحبل: اشنق البقرة ، وقلت للفأر : انقض الحبل، وقلت للقط : كل الفأر.
فأكل القط الفأر ، ونقض الفأر الحبل ، وشنق الحبل البقرة ، وشربت البقرة الماء ، وأطفأ الماء النار ، وأحرقت النار العصا ، وضربت العصا الولد ، وعجز الولد عن شراء البطاطس والطماطم وحتى البصل.