القاص محمد التطواني
في لحظة أخيرة من عمر الطفل ياسين من تحت أنقاض زلزال, وقبل أن يلتقي الساق بالساق , يتحدى روْع الخوف والوحدة , ليبعث رسالة دامعة ليطمئن والديه ألآيسين من رؤيته , تنفس نفس الكير مسح رَعْف أنفه يخفي رعْشه ,وهو يسمع أهازيج النّدبة والتّفجُّع القادمة عبر انفراجات وحفر وثقب سقف غرفة نومه التي أضحت ركاما.
ثم قال : أنا بخير , لا تحزنا , أنا الآن مُحدودب القامة وكأني على مقعد من نيلون وهو يقترب بي الىبرزخ قريباً سيفصل بيننا .
أبي .. أخبر أمي أني رأيت الجنة تعانقني , فلا تلطم وجهها .
نعم أتذكر عن الزلزلة أني وسّدْت وسادة من حجر , وشممت حِمما كحمم البراكين , وحال غبارها ودخانها نور الشمس بيننا , وفي لمحة بصر , تغير طعم البصاق في فمي .
بعد أربعة ليال, أعدها عدا , بدأت أشم رائحة أجساد أنتَنت رائحتها.
أخذ الشئ يزداد سُخونة وكأني في فرن يغلي , وصخرة من حولي تتدفق ماء لم أذق طعمه , حالت بيننا قضبان حديدية تشبه قضبان السجون , بعد الحين والحين كنت أنبطح على ظهري ومرة على وجهي .أحيانا أسمع أنينا وشكاوى بين شخير وقيام , لكن سواد الظلام الدامس السرمدي تحت الأرض , لا لونه له , ويمكن الإستغناء عن النظر , بخلاف الديدان والحشرات فهي تمشي كما يمشي الإنسان فوق الأرض, ترى كل شيئ , وتاكل كل شيئ .
أنا بخير أمي .. قريباً سأستريح .
إشتقت الى رغيفك , لكن طعم رغيغك ورغيف الجنة سيان .
كفكفي دموعك وارفعي غدائر شعرك , إني أراك تحت ضوء القمر وبجانبك والدي رافعا كفه الى الله .
أمي .. أبي
أنا بخير
تراني تخلصت من نفض الغبار بأعجوبة , وكأن يدا كانت تساعدني .
أمي .. أتسمعين أزيز الفراشات ؟ إنها تذكرني بليلة زفاف أخي الأكبر وأنا أمتطي فرسا صحبة والدي برجلاي الحافيتان , ومضى الفرس يهتز كما البالون على شبه نغمة سمفونية , أمتعت العريسان بمِلْح الكمان , وقد آليْتُ أن لا أنام حتى الصبح .
أبي .. إنه فصل المشْتى والصقيع , عودا الى مخيمكما , وقل لأمي أن تتفقد قطتي ميمي ,وإن سألتكما عن غيابي , قولا لها , إني قريب .
أمي .. إحتفظي بقُماشي الأبيض الذي لبسته ليلة زفاف أخي ..
أرى البحر رهوا .. لا شك سأعبره بأعجوبة , وهناك من سيستقبلني .
أبي لا تحزن
أمي لا تأسي
12/2/2023