
ذ : إدريس حيدر
لعل الجميع يتفق معي على أن العلاقات المغربية / الجزائرية ، تمر بأزمة كبرى غير مسبوقة و تهدد بوقوع انفجار للوضع مع تداعياته الخطيرة على شعبي البلدين الشقيقين.
إن المغرب و الجزائر بلدان تجمعها كثير من الحقائق و المعطيات و الثوابت منها :
* وحدة الدين و العقيدة و المذهب المالكي .
* ساكنتهما: عرب و أمازيغ.
* لغتهما: العربية و الأمازيغية.
* ماضيهما مشترك .
* الجوار
* تجمعهما روابط الدم ( العائلات، الزواج…الخ ) .
إن ذاكرة المنطقة تحفظ للبلدين انصهارهما في معارك وطنية مشتركة و ذلك من خلال التضامن و التآزر و الوحدة .
و لازالت بعض ملاحم الشعبين شاهدة على حقب من تاريخهما المشترك ، سجلها لهما التاريخ بمداد من الفخر ، و منها :
– دعم المقاومة الجزائرية لأختها المغربية بتاريخ : 20|08|1955بمناسبة الذكرى الثانية لنفي ملك البلاد : ” محمد الخامس ” ، و كانت قد تزامنت مع الهجومات بنفس التاريخ في الشمال القسنطيني بقيادة :” زيغود يوسف “.
– اعتبار المغرب العمق الاستراتيجي للثورة الجزائرية، حيث عاش كثير من المجاهدين الجزائريين في المغرب ، إما بغاية التدريب العسكري أو من أجل اللجوء السياسي ، و قد أصبح البعض منهم بعد استقلال الجزائر قادة لهذه الأخيرة.
– تضامن الشعب المغربي بكل مكوناته ( شعبا و قيادة ) مع الثورة الجزائرية و دعمها بالمال و السلاح ، كما انخرط مئات من المغاربة في العمل المسلح ضمن صفوف المجاهدين الجزائريين و منهم من استشهد .
– اعتبار المغاربة ( قيادة و شعبا ) القضية الجزائرية، قضية وطنية ، لا يمكن التخلي عنها أو المساومة بها ( الخطاب الشهير للملك ” محمد الخامس ” في مقر الأمم المتحدة حول القضية الجزائرية “).
– تصميم القوى السياسية المغربية و الجزائرية و التونسية على وحدة المغرب العربي مؤتمر طنجة 1958.
إلا أنه و بعد حصول البلدين على اسقلالهما و اختيارهما لأنماط حكمهما و لتوجهاتهما السياسية و الاقتصادية ، نشب الخلاف بين قادة الدولتين و انعكس على شعبيهما.
و عوض الاستفادة من الإمكانيات الطبيعية الهائلة للبلدين ( الفوسفاط ، البترول ، الغاز ، الفلاحة، الصيد البحري ، معادن مختلفة …الخ ) ، و كذا من القوة الهادرة لشبابها، تطور الأمر بشكل سلبي جدا ، حيث قام العداء بينهما ، مرة بسبب رسم الحدود ، و أخرى من أجل ما يسمى بتقرير مصير الشعب الصحراوي و أخيرا و بطريقة غير مباشرة من أجل الثروات المعدنية التي تحبل بها أرضهما المعطاء .
و مرت علاقات البلدين باحلك الظروف أثناء الحرب الباردة بفعل الاصطفاف الايديولوجي و الخيار السياسي لكل بلد .
وخَلُصَت هذه التجاذبات بغلق الحدود بين البلدين و بإعلان الجزائر قطعها العلاقات الدبلوماسية مع المغرب و منع الطائرات المغربية التحليق أو النزول فوق أرضها.
بل و بدأت بعض الأصوات في الجزائر تهدد بنشوب الحرب بين البلدين ، و نسي هؤلاء أن الحرب هي دمار للمنطقة على كل المستويات .
إن المثال الحي لمثل هذه المغامرات الغير المحسوبة هي الحرب العراقية / الإيرانية التي استمرت 8 سنوات و قتل فيها ملايين من البشر من البلدين و عطل اقتصادهما بشكل كلي ، و استثمرت أموال البترول و الغاز في شراء الأسلحة الفتاكة من القوى العظمى ، و دمر العمران بشكل تام ، و أعادت الحرب البلدين عقودا إلى الوراء .
و تبين فيما بعد إنها كانت مؤامرة محاكة من طرف الأنظمة الغربية بهدف تحقيق مصالحها في المنطقة .
إن نشوب الحرب بين الطرفين ( لا قدر الله ) سيجعل المنطقة في فوهة بركان ، و ستحل بها قوى خارجة عنها من أجل اقتسام الغنيمة ضدا على مصلحة الشعبين الشقيقين ، و من تلك القوى : أمريكا، فرنسا ، إسرائيل، تركيا ، الإمارات ، روسيا …الخ ، و ما يقع في ” ليبيا ” خير دليل على ذلك .
و إذن الطرفان بصدد تفويت فرص النماء و التقدم على شعبيهما ، و لقد أُنْفِقَت في هذا الإطار أموال طائلة بهدف التسلح تحسبا لنشوب الحرب بينهما ، كما يتم إرشاء بعض الدول ( الجزائر ) من أجل شراء أصواتها و مواقفها .
البلدان يعيشان حاليا أزمات اقتصادية ، بطالة كبيرة للشباب ، غياب للديمقراطية الحقة، التضييق على الحريات العامة …الخ.
كل هذه التمظهرات تنم عن تخلف كبير و انتهاكا للحقوق و هدرا للمال العام .
و مما يؤسف له أن التوتر بلغ أشده، بحيث تم تسميم فئات عريضة من الشعبين تحت تأثير الذباب الإلكتروني و مواقع التواصل الإجتماعي و التي تمول بالمال العام للشعبين و التي تنحصر مهمتها في صب الزيت على النار و تعميق الأزمة و إشعال نار الفتنة ، كل ذلك بمباركة وتشجيع القوى الغربية و بالخصوص ” ماما فرنسا ” ، بغية وضع اليد على ثروة البلدين .
أيها السادة .
لعل مضمون هذه التدوينة لن يروق البعض و قد يختلف معها ، لكن هذا جزء من الحقيقة ، إن لم تكن كلها .
إن الحرب الحقيقية للبلدين يجب أن تكون ضد التخلف ، الجهل ، الأمراض، الأمية، البطالة ، الاستبداد ، انتهاك حقوق الإنسان ، الفساد و الريع بكل اشكالهما …الخ.
و هدف البلدين يجب أن يكون و ينصب على : حصول الناشئة على تعليم جيد مواكب للعصر و للتطور المذهل الذي يشهده ، ديمقراطية مائزة ، توزيع للثروات بين أبناء الشعب بشكل عادل ، محاربة الفساد ، المساءلة و تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب …الخ.
و يقينا أن الفرص لازالت متاحة من أجل تحقيق الأهداف أعلاه.
و عندئذ ، سيصْدُقُ الشعار الذي ترفعه الجماهير الرياضية :
” خاوة ، خاوة … و بلا عداوة …” .