ذ . إدريس حيدر
كان المعتقلون ينتظرون يوم الزيارة على أحر من الجمر ، حيث يستعدون لها بارتدائهم ألبسة نقية و يحلقون ذقونهم ، إلا البعض منهم الذين عَفُوا عن لِحَاهم ، كما أنهم كانوا يمشطون و يصففون شعر رؤوسهم .
كان البعض منهم يلتقي أفراد عائلته و آخرون زوجاتهم و أبنائهم أو حبيباتهم .
كانت الزيارة تتم في حيز ضيق و مظلم إلا من ضوء خافت ، و كان يُطْلَقُ على ذلك المكان اسم : ” المزار “.
لم يكن يسمح بالزيارة المباشرة للمعتقل من طرف أفراد عائلته ، و لم تتم استجابة الإدارة المركزية لمطلب الزيارة المباشرة ، إلا بعد نضال شاق ، قاس و صعب لمناضلي اليسار.
كانت الزيارة الأسبوعية هي الكوة التي يطل منها السجين ليشاهد العالم و يتنفس من خلالها ريحا طيبة غير ملوثة ، ما أحوجه إليها.
كانت ظروف الزيارة غير إنسانية ، بحيث كان يفصل و يفرق المعتقل عن زائره ممر محاط بالشبابيك و الاسلاك ، و به دائما حارس يقضي وقته جيئة و ذهابا ، يحرس و يراقب المخالفات( كتمكين المعتقل من أشياء ممنوعة ).
إلا أن الضجيج الكبير الذي كان يحدث هناك ، نظرا لتكدس أفراد العائلات به و محاولتهم التواصل مع المعتقلين بأصوات عالية ، لم يكن يسمح بتبادل الأحاديث و الأخبار بشكل هادئ ، و كانت بعض الأمهات بسبب ذلك الصداع يكتفين برؤية ابنائهن و تبادل الابتسامات معهم .
كان المعتقلون متضامنون و يشكلون عائلة واحدة ، يدخلون إلى المزار مع أحد رفاقهم و يتبادلون التحايا و الاحاديث مع أفراد أسرته و كأنهم هم الآخرون أبناؤها بل و كانوا يطمئنون الزوار على السجناء من عائلاتهم .
كنا كمعتقلين نقرأ و جوه بعضنا بعد الزيارة ، و نعرف من خلالها هل الزيارة تمت في أجواء إيجابية مع ما يتخللها من أخبار مفرحة أم العكس.
و كم كانت الوجوه فاضحة للحالة النفسية للمعتقل بعد الزيارة .
و لن انسى ما حييت تلك الجملة المزلزلة التي خاطبتني بها المرحومة أمي أثناء زيارتها لي ، حيث قالت :
” ارفع راسك يا بني ، فأنا أفتخر بك كثيرا “.