الأستاذ عبد القادر الغزاوي يكتب : شاعر وقصيدة

15 يناير 2023

يقلم عبد القادر الغزاوي
أقدم إلى القراء الكرام بصفة عامة وإلى محبي الأدب العربي وعشاق الشعر العربي بصفة خاصة جماعة من الشعراء العرب الذين خلدهم شعرهم الرائع والجميل من القديم والحديث ، وكذا مختارات من روائع شعرهم الخالد ، دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبهم الزمني وعصورهم الأدبية . وقد أعملت جهدي المتواضع ما استطعت لأقدم إليكم هذه الطائفة الشعرية الرائعة المختارة حتى تنال إعجابكم وتروقكم ، وأن ينال هذا الاختيار إقبالكم واستحسانكم . لأني لا أختار ما تختارون ، ولا أنتم مختارون ما أختار ، لكم اختياركم ولي اختياري.

2 ) نزار قباني
رجل واحد … وقبيلة من النساء
( 1923 ـ 1998 )

ولد نزار قباني يوم 21/03/1923م بالعاصمة السورية دمشق، ووافته المنية في العاصمة البريطانية لندن يوم 30/04/1998، عن سن يناهز 75 عاما، حيث قضى منها أكثر من خمسين عاماً في إبداع أشعار الغزل والسياسة. كان يشتغل في السلك الدبلوماسي السوري،الذي انضم إليه سنة 1945م. واستقال منه سنة 1966. فتفرغ للكتابة والإبداع في الشعر والنثر. أسس دارا للنشر في بيروت تحمل إسم (منشورات نزار قباني)، خاصة بأعماله وإنتاجاته الفكرية. يقول عنها : ” دار النشر التي أنشأتها حولت أثاثها وجدرانها إلى شعر” . ألف عددا كبيرا من الدواوين الشعرية ومن الكتب النثرية، وجمعت أشعاره في أعمال كاملة طبعت عدة طبعات مختلفة، وترجمت أشعاره إلى عدة لغات عالمية، كما صدرت مجموعة من الكتابات النقدية والتحليلية لشعره، والعديد من الكتب والدراسات عن تجربته الشعرية المتفردة،. ضمنها كتاب أصدرته سنة 2009م بعنوان ” أيظن وأخواتها ” يحتوي بين دفتيه على أحلى قصائده المغناة من قبل مطربين مغاربة وعرب.
وهناك أسماء عديدة من الشعراء عبر العصور الأدبية تحولت بعض قصائدهم إلى أغاني، وهم كثيرون.وكان لشعر نزار قباني القسط الأكبر من تلك الأغاني، فأبدع الملحنون في اختيــــــار الألحان المناسبة والجميلة والرائعة لقصائده، وقدموا أشعار نزار قباني في صورة غنائية جميلة ورائعة ، وكسبوا جمهورا كبيرا ، وجعلوه يعشق ويحفظ تلــــــــك الأشعار.
ولعل ما يميز أشعار نزار قباني السهولة والبساطة، فقد اختار لغة سهلة يفهمها المثقف والأمي على حد سواء، وذلك لأنه انتقى من الألفاظ أبسطها فلا يحتاج معها السامع أو القارئ إلى معاجم لفك رموزها أو لشرح مصطلحاتها. و لا شك أن هذه الأغاني ساعدت على ذيوع قصائده المغناة وانتشارها، حيث أينما تولت فثم أذن تلتقطها، فأقبل الجمهور العريض عليها بمختلف أذواقه و مستوياته الثقافية قراءة و سمعا ، وسهل حفظ الكثيرين لها . ورغم ذالك فإن هذه القصائد لا تحتاج إلي تلحين لتغنى، فقصائده كلها أغاني، و كل قصيدة أغنية في حد ذاتها. فقد قال الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب لنزار: “أنت شاعر مريح جدا لأنك تعطيني قصائدك ملحنة، وكيف ألحن ما هو ملحن”، وقال نزار نفسه : “في كثير من الأحيان كانت موسيقى القصيدة تسبق القصيدة، وتسبق تشكيل الكلمات”.
وكانت قصيدة “أيظن” لنزار قباني أولى القصائد المغناة في مصر من تلحين محمد عبد الوهاب في الستينات من القرن الماضي . وجدير بالذكر أن مجموعة من الملحنين المغاربة لحنوا قصائد نزار قباني، وغناها مطربون مغاربة خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، إلا أنها لم تنل نصيبها من الانتشار والشهرة والاستمرارية .
و خلال حياته ومسيره الإبداعي الطويل ، رغم انشغالاته الوظيفية، فانه لم يتوقف عن كتابة الشعر ، و لم ينقطع عن إغناء المكتبة الأدبية و خاصة الشعرية ، فقد ترك لنا مجموعة من الدواوين الشعرية و مآت القصائد ، و عددا كبيرا من الكتب النثرية. . وأن شعره لا زال يحتاج إلى مزيد من الدراسات، وقصائده إلى التلحين والغناء، وإنا لشعره وإنا إليه راجعون ، فما أحلى الرجوع إليه .
وبرحيله يكون نجم شعري متفرد قد هوى، فمن كان يعشق نزار قباني ، فإن نزار قد مات، ومن كان يعشق شعره، فإن شعره لم يمت ، فهو حي في ديوان الشعر العربي ، وفي ذاكرة محبيه وتلاميذ ته . حيث لم يبق منه إلا شعره المتميز والرائع ، فاستطاع بشعره أن يحقق خلودا في عالم الأدب والشعر، فافتحوا دواوين نزار قباني فإن لكم ما أردتم، وإن لمن شعره متعة، وأن أشعاره من الباقيات الخالدات.

قصيدة أيظن :
تعتبر ” قصيدة أيظن ” لنزار قباني من أروع القصائد العربية ، وهي أول قصيدة شعرية لنزار قباني لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب خلال الستينات من القرن الماضي ، وغنتها المطربة نجاة الصغيرة ، فكانت من أجمل وأنحج الأغاني العربية ، حيث ذاع صيتها ونالت شهرة واسعة ، وأصبح الشاعر نزار معروفا لدى العامة والخاصة ، بفضل كلماتها الجميلة ، و براعة الملحن في تلحينها ،وإجادة المطربة في أدائها ، إذ ربطت نجاة الصغيرة بصوتها الفاتن بين الكلمة الجمبلة واللحن الممتاز ، وجعلتها جسرا موسيقيا بين القصيدة الشعرية المغناة والمستمع الذي أصبح يرددها ويستمع إليها كثيرا دون ملل .

قصيدة أيظـــــــــــن

أ َيَظُنُّ أنِّي لُعبَةٌ بيَدَيْهِ ؟
أنا لا أفَكِّرُ في الرّجوعِ إليهِ
اليومَ عادَ.. كأنَّ شيئاً لم يكُنْ
وبراءةُ الأطفالِ في عَيْنيْهِ…
ليقولَ لي: إنِّي رفيقةُ دربِهِ
وبأنّني الحبُّ الوحيدُ لَدَيْهِ..
حَمَلَ الزّهورَ إليَّ.. كيفَ أرُدُّهُ
وصِبَايَ مرسومٌ على شَفَتَيْهِ؟
ما عدْتُ أذكُرُ، والحرائقُ في دَمي
كيفَ التجَأْتُ أنا إلى زَنْدَيْهِ
خبَّأتُ رأسي عندَهُ… وكأنّني
طفلٌ أعادوهُ إلى أبَوَيْهِ..
حتّى فساتيني التي أهملتُها
فَرحَتْ بهِ.. رَقَصَتْ على قَدَمَيْهِ
سامَحتُهُ.. وسألتُ عن أخبارِهِ
وبكيتُ ساعاتٍ على كَتِفَيْهِ
وبدونِ أن أدري تركتُ له يدي
لتنامَ كالعصفورِ بينَ يَدَيْهِ..
ونَسيتُ حقدي كُلَّهُ في لَحظَةٍ
مَن قالَ إنّي قد حَقَدْتُ عليهِ ؟
كَم قُلتُ إنّي غيرُ عائدَةٍ لهُ
ورَجعتُ.. ما أحلى الرّجوعَ إليهِ .

هذه القصيدة يغنيها محمد عبد الوهاب نجاة الصغيرة . لحن محمد عبدالوهاب . ديوان حبيبتي

نماذج من أشعاره وخاصة من قصائده المغناة :

1) قصيدة إغضب

يقول في مطلعها :

إغضب كما تشاءُ
واجرح أحاسيسي كما تشاءُ
حطم أواني الزهر والمرايا
هدد بحب امرأةٍ سوايا..
فكل ما تفعله سواءُ..
كل ما تقوله سواءُ..
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم.. مهما لنا أساؤوا..

هذه القصيدة تغنيها بهيجة إدريس (مطربة مغربية) من تلحين عبد اللطيف السحنوني . و أصالة من تلحين حلمي يركات . ديوان الرسم بالكلمات .

2) قصيدة رسالة من تحت الماء

يقول في مطلعها :

إن كنتَ صديقي.. ساعِدني
كَي أرحَلَ عَنك..
أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني
كَي أُشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً
ما أبحرت..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي
ما كنتُ بَدأت…

هذه القصيدة يغنيها عبد الحليم حافظ من تلحين محمد ألموجي . ديوان قصائد متوحشة .

3) قصيدة مكابـــــــــــــــرة

يقول في مطلعها :

تراني أحبك ؟ لا أعلمُ
سؤال يُحيط به المبهمُ
وإن كان حبي لك افتراضا..
لماذا إذا لحت طاشَ برأسي الدمُ ؟
وحار الجواب بحُنجرتي
وجف النداء .. زمات النغمُ
وفر وراء ردائك قلبي
ليَلثُمَ منك الذي يُلثمُ
تراني أحبك ؟ لا . لا . مُحالٌ
أنا لا أحب ولا أغرمُ …

هذه القصيدة يغنيها المعطي بن قاسم من تلحين عبد السلام عامر . ديوان قالت لي السمراء .

المراجـــــع :
ـ نزار قباني : دواوين شعره .
ـ نزار قباني : كتاب قصتي مع الشعر .الطبعة الأولى .1973 .
ـ عبد القادر الغزاوي : كتاب أيظن وأخواتها .الطبعة الأولى السنة 1999م.
ـ سامي الكيالي .كتاب الأدب العربي المعاصرفي سوريا . الطبعة الثانية . 1968 .
ـ عصام الحلبي : كتاب المرأة بين عباس العقاد ونزار قباني . الطبعة الأولى . 2011 .
ـ مجموعة من الكتب والدراسات التي تناولت حياة وشعر نزار قباني .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading