حوار مع صديق في موضوع حضور الأمهات وغياب الأباء في حفل التكريم والتتويج.

22 ديسمبر 2022

اد . محمد عز الدين البدوي

قال لي صاحبي مستنكرا ومعترضا ويبدو عليه الضجر ، لماذا يتم استدعاء حضور أمهات لاعبي المنتخب الوطني المغربي ولم يلتفت لآباهم؟ ترى لهذه الدرجة يهون الأب ولا يأبه به؟
قلت له : هون عليك يا صاحبي، ولست أدافع عن هذا الاختيار ، ربما مجرد وصول الأسود المربع الذهبي ونصف النهاية يستدعي حضور الأمهات ، ولو وصلنا النهاية لكان حضور الأمهات من باب أولى.
قال لي صاحبي معاتبا: ماذا لوفزنا بكأس العالم، قلت: من الطبيعي جدا أن يستدعى الأمهات وحتى الزوجات والدراري.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فالحديث يدل على أن حق الأم آكد من حق الأب ومقدم عليه عند التعارض -إذا لم يمكن الجمع بينهما- ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن القاضي عياض أنه قال: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب.
حتى قال بعض العلماء: إن للأم ثلثي البر بناء على هذا الحديث.
وعلى ذلك فلا مانع من الدعاء للأم والهدية لها ثلاثة أضعاف ما للأب.
وللحق أدعن وخنع.
ولولا أن الحديث عند الإمامان الجليلان البخاري ومسلم لاعترض علي .
وحتى أقطع عليه الطريق ، قلت : الحديث أيضا عند الإمام مالك في الموطأ.
ضعف اعتراض صاحبي واستسلم ، ولست أدري لماذا رضخ ؟ هل عند سماعه مالك؟ أم أنه بلغ إلى علمه أن استدعاء الأمهات للقصر الملكي كان بأمر من الملك؟!!!!!
وهكذا أوصانا الحبيب المصطفى بالأمِّ وأكَّد حقَّها في حُسنِ المُعاملةِ ثَلاثَ مرَّاتٍ؛ بَيانًا لفضْلِها على سائرِ الأقاربِ دونَ استثناءٍ. ثمَّ سأله الرابعةَ: ثمَّ مَن؟ قال: أبوك، فكرَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقَّ الأمِّ ثلاثًا، وذكَر حقَّ الأبِ مرَّةً واحدةً، وليس ذلك تَقليلًا مِن حقِّ الأبِ، وإنَّما هو تأكيدٌ على عِظَمِ حقِّ الأمِّ؛ ولعلَّ ذلك لكثرةِ أفضالِها على ولدِها، وكثرةِ ما تحمَّلَتْه مِن المتاعبِ الجِسميةِ والنَّفسيَّةِ أثناءَ حمْلِها به، ووضْعِها وإرضاعِها له، وخِدمتِها وشَفقتِها عليه، وهذه الشَّفقةُ قد تُطمِعُ وَلدَها فيَتهاونُ في بِرِّها؛ ولذا أكَّدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِرَّ الأمِّ مِرارًا.
أشفقت على حال صاحبي لما بدا عليه من الاستسلام ، ومايشبه الهزيمة ، كما وقع لنا مع المنتخب الفرنسي.
قلت: لا عليك ، هي تكرم ويحتفى بها ، وأنت لك المال.
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : “أنت ومالك لأبيك”.
وقد ذكَر الزمخشري أنَّ رجلاً شكا إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أباه وأنَّه يأخُذ ماله، فدعا به، فإذا شيخٌ يتوكَّأ على عصا، فسأله، فقال الشيخ: إنَّه كان ضعيفًا وأنا قوي، وكان فقيرًا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئًا من مالي، واليوم أنا ضعيفٌ وهو قوي، وأنا فقيرٌ وهو غني، ويبخل عليَّ بماله، فبكى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقال: ((ما من حجرٍ ولا مدرٍ يسمع هذا إلا بكى))، ثم قال للولد: ((أنت ومالُك لأبيك، أنت ومالُك لأبيك)).
وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله – تعالى: “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين” سورة الأحقاف 15.
فسوى بينهما في الوصاية ، وخص الأم بالأمور الثلاثة . قال القرطبي : المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر ، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة . وقال عياض : وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب ، وقيل يكون برهما سواء ، ونقله بعضهم عن مالك والصواب الأول .
وسئل مالك طلبني أبي فمنعتني أمي ، قال : (أطع أباك ولا تعص أمك.)
ووقع كذلك في حديث المقدام بن معدي كرب فيما أخرجه المصنف في ” الأدب المفرد ” وأحمد وابن ماجه وصححه الحاكم ولفظه إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بآبائكم ، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب. تحامل علي صاحبي، وكاد يتهمني بالانحياز للمرأة .
قلت لصاحبي: وكان يرجو لو يجد ما يفند به مقالتي، ولو أننا في دجنبر، والموضوع يثار أكثر ما يثار في مارس حيث عيد المرأة الأممي وعيد الأم، لكنك يا صاح ألزمتني الحجة، فاصبر علي ، طأطأ رأسه معلنا بلسان حاله : ( هات ماعندك).
قلت : أوليس الإسلام كرمها أما فقال : ” الجنة تحث أقدام الأمهات) -الحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير- ، قال : نعم، قلت: أو ليس هذا الدين كرمها زوجة فقال: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) – عند الترمذي وابن ماجة- ،قال : بلى، قلت : أو ليس الرسول صلى الله عليه وسلم كرمها بنتا فقال: “من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات أو ابنتين أو أختين كنّ له حجاباً من النار، فإن صبر عليهن حتى يزوّجهن دخل الجنة”. -ابن ماجة والإمام أحمد.-
فرح صاحبي وتهلل وجهه معلنا أنه اقتنع وللحق خضع.

ط

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading