” كان يزرع الليل بالكلمات”

11 ديسمبر 2022

الخليل القدميري : 

موسيقى هادئة….

صمت ناطق….

أمسية سعيدة.

أعرف أني لن أغير العالم… أعلم ذلك جيداً.

أعلم أني لا أملك سوى صوتي …

أعلم أن صوتي لن يجعل الأنانية حباً، فلأنانية صدى في قلوب البشر.

أعلم أن كلماتي لن تحرك ولو نقطة أو فاصلة في المخططات الاستراتيجية للدول العظمى.

أعلم أن أفكاري لن تقود إلى نظام اجتماعي أكثر عدالة وإنسانية.

لا أملك نفوذاً، ولا قوة ولا رغبة لي في ذلك، فلن أعرف ما سأفعل بكل ذلك.

لا أملك حلولاً لمشاكل البطالة.

ليست لدي وسيلة للقضاء على العنف وعلى الجريمة ولا حلول لدي لِمَحْوِ ما يتولد عنهما من عنف وجريمة.

أُقِرّ بأنني عاجز عن إقامة نظام لتقنين توزيع عادل للثروة. ولكنني على يقين تام بأن العوز قد يرغم الفقير على أن يساوم على حريته من أجل البقاء على قيد الحياة. إنه قَدَرٌ يشوّه الكثير من حياة البشر.

لستُ سوى مجنونٍ يُعبّر عن وجع العالم بصور أحلامه المرعبة.

بصفة قطعية… أقول: لا حلول لديّ لمشاكل هذا العالم…، فما أنا سوى حالمٍ يزرع الليل بالكلمات”.

على هذا المنوال، كان الصحفي الإسباني الأندلسي “خيسوس رودريغيس كينتيرو”، يستهل برامج حوارية عديدة، اشتهر بها منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، على قنوات إذاعية وتلفزية بإسبانيا وخارجها، منها على سبيل المثال:

” مجنون التل”، و ” الكلب الأخضر” و” المتسكع” و” في حبل السجناء” و” الجرذان الملونة” و ” في فم الذئب” وغيرها….

وكان في نبض نبرات صوته الحالم ما يؤنس وحشة الساهم في الليل البهيم، حين تكون حاجته ماسة للحظات هيام تهدئ من روعه، وكلمات دافئة تعيد إليه وعيه وتماسكه.

قضى “خيسوس رودريغيس كينتيرو” أكثر من ثلاثين سنة وهو يتغنى بدروس الحياة وعِبَرِها، فكانت أسئلته غزيرة متنوعة، وصمته بليغ، وموسيقى حلقاته هادئة، حالمة، يستطلع، على خلفيتها، آراء ضيوفه، من مختلف الشرائح، ونظرتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم، وقدم، من خلال محاوريه، لوحات ناطقة من التراث الفني الأندلسي على الخصوص، كما حفلت محاوراته بآراء وانطباعات، وانفعالات، جسدت ملامح الخصب في ثقافة بلده وعصره.

ازداد ابن الأندلس، خيسوس رودريغيس كينتيرو، في 18 غشت سنة 1940 ، وتوفي يوم 3 أكتوبر سنة 2022، عن عمر يناهز 82 سنة.

كانت حياته المهنية خصبة في ميدان الإعلام ، وقد أشاد بكفاءته وإنسانيته كل من عرفه من قريب أو بعيد، ملتزما بخط تحرري، لم يحد عنه طيلة مسيرته الإعلامية في قنوات الإذاعة والتلفزة، بإسبانيا، أجرى خلالها حوارات مع عديد من المشاهير من كتاب ومفكرين وساسة وفنانين سينمائيين وموسيقيين و مسرحيين، ورياضيين، ومطربين، وعارضات الأزياء ، وكذلك مع المهمشين في المجتمع من سجناء ومتسكعين ومقصيين وصامتين في التاريخ.

اعتلّت صحة خيسوس كينتيرو بعد إصابته بانهيار عصبي، لكنه احتفظ بقدرته على الإبداع، فألف كتاباً تناول فيه ما يمور في ميدان الإعلام لبلده، عنونه ب :” يوم سعيد يا أبناء….”، ضمّنه نقداً لاذعاً لكل من اتخذ من الصحافة مهنة للدجل والاسترزاق. وكانت له، بمناسبة مناقشة هذا الكتاب، مواجهات ساخنة مع بعض من تصدروا الساحة من الإعلاميين المرموقين الجدد.

مات خيسوس رودريغيس كنتيرو، لتصبح سيرته بعيد وفاته على كل لسان، ويعاد نشر أرشيف العديد من حواراته الشهيرة على قناة يوتوب، لتظل أعماله وصوره ومواقفه شاهدة على أنه، كما كان يحلو له أن يقول : “مجرد حالم يزرع الليل بالكلمات”.

مدينة كيبك، 20 اكتوبر 2022

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading