ذ . إدريس حيدر
كان المعتقلوالسياسيون عازمين على جعل إقامتهم في القلعة الإسمنتية مقبولة ، و استقرارهم بين جدرانها طيب و بالتالي كان من الضروري وضع برنامج للعيش اليومي .
و كما هو معلوم فإن العيش المشترك في السجن يكون دائما صعبا جدا لاعتبارات ذاتية و موضوعية ،لأن الأمر يكون أحيانا متعلقا بحسابات سياسية .
و إذن لتذويب الحساسيات و الانانيات و تأطير الإقامة و العمل على إنجاح العيش في ذلك السياق الصعب ، تشكلت لجنة للحوار مع الإدارة مبتغاها تحقيق مطالب المعتقلين السياسيين و المتعلقة ب: التحكم الذاتي في الإنارة ، و الفسحة اليومية بزمن أكبر من المعتاد ، و ممارسة الرياضة في ساحة السجن ، و الزيارات المباشرة ، و الحصول على الكتب بهدف القراءة…الخ.
و كانت اللجنة قد حققت بعض المكاسب المتعلقةبإقامتهم و التي ضُمِّنت في مطالبهم .
كذلك كُلِّفَ بعضهم بإنجاز مهمات محددة بتنسيق مع لجنة الحوار .
كما تطوع بعض المعتقلين من أجل تعليم بعض المعتقلين الفقراء و الاميين و البسطاء ،القراءة و الكتابة .
و كان هؤلاء البؤساء هم حطب تلك الاعتقالات على اعتبار أنهم الدهماء الذين تم تحريضم من طرف المعتقلين السياسيين للخروج في مظاهرات عارمة ،أي أنه تم استغلالهم من طرف النخب السياسية اليسارية لخلق الحدث و الضغط على الحكم بهدف تحقيق بعض الإنجازات .
من جهة أخرى كانت تنظم بين الفينة و الأخرى اجتماعات محدودة بين بعض الأفراد القياديين من أجل صياغة بيانات تعبر عن مواقف سياسية .
كما أن النقاشات في ردهات السجن أو في الزنازن بالليل عندما تُقْفَلُ الأبواب ، كانت متنوعة ،غنية و مفيدة .
فضلا عن ذلك فقد كانت تُدْخلُ كُتُبٌ ذات طابع فكري أو إبداعي كالروايات بغرض تجزية الوقت و التثقيف و التكوين الذاتي.
و هنا لا بد من الإشارة إلى أنني التهمت بنهم أمهات الروايات الرائعة منها : الروسية و الفرنسية و غيرها و كذا أعمالا فكرية مختلفة لمفكرين كونيين بارزين .
و في هذا الإطار نوعت قراءاتي و تفرغت للاطلاع على الكتب السماوية ،خاصة القرآن و الإنجيل و الثوراة .
هذه الإقامة المفروضة قسرا ، علمتني ما لم اكن اعلم ، احترام الآخر و أفكاره ، التكوين الفكري الذاتي المتين و الصلب ، ارتفاع منسوب الصمود و مقاومة الظلم و الاستبداد .
و كان المعتقلون السياسيون يطلقون أحيانا على بعضهم البعض ، أسماء القادة الشيوعيين ك: ” لينين ” ،” ماو” ” غيفارا ” ،” كاسترو ” ،” هو شي مين ” ،” ستالين ” أو أوصافا و نعوتا ك : ” الشيوعي ” ، ” الاحمر ” ، ” المجاهد “…الخ .
كانت الرفقة طيبة و الإقامة مقبولة ،و النفسية مرتاحة لكوننا كنا معتقلين من أجل قضايا سامية ، إلا أن أغلبنا كان منشغلا و قلقا ، طيلة الوقت على مصير و مآل أفراد أسرنا : الاب ،الام ،الزوجة ،الأبناء، الإخوة …الخ.
و كانت الزيارة الأسبوعية هي محرار( تيرموميتر ) وضعية الأسر.
يتبع…