اد . محمد البدوي
هذه المرة خرجت عن المألوف، وكنت حريصا على تتبع مجريات هذه المبارة، وقد دفعني الفضول لمشاهدة بعضا من دقائق المبارة التي جمعت المنتخب الوطني المغربي مع نظيره البلجيكي ، ولسوء حظي تمكنت تلك المقابلة من قلبي، وأنا الذي كنت أقسم على نفسي بعدم الانجرار إلى وحل أفيون الشعوب، وكم كانت تنتابني الحسرة، وأنا أتتبع جموع المخدرين ، الذين ابتلعتهم الكرة وملكت عليهم حياتهم ، وزاحمتهم حب زوجاتهم و أبنائهم.
يرجو الواحد منهم لو يفدي فريقه المفضل بأبيه وأمه، بل حتى بزوجه وذراريه.
شكرت المولى أن صرفها عني ، إلا ما كان من بعض المقابلات التي ألعبها وأستمتع بها صحبة زمرة من أصدقائي بالمؤسسة التي أعمل بها.
قلت : أعشقها وأتملى بلعبها، لكن اكره مشاهدة المباريات ، كما أكره تلك النقاشات التي تستحوذ على حيز كبير من أوقات الشباب بل حتى الكهول .
هذه المرة وقعت في شراكها ، أخاف على نفسي أن أكون حقا أحببتها ، وهل يليق بي وأنا العاقل أن أسقط جاثيا على الركب من حبها؟
صرت أخاف أن أصرح بهذا الحب وهذا الجوى الذي أصابني على كبر.
قلت لنفسي : ألا تستحي، وأنت الفقيه المتزن ، أن ينكشف أمرك!
وتضبطك زوجك أو أحد من أبنائك!
ألا تخشى أن تفضح بين أقرانك وأصدقائك من المدرسين الذين خبروك، وعلموا بعدك عن متابعة مباريات الكرة!
ماذا سيكون ردك إذن عندما يسألك الأستاذ جمال، عن هذا التغيير المفاجئ في جديد اهتماماتك؟
وهل لك القدرة بعد اليوم لمناقشة الأستاذ معاذ في تحليله ومخياله الكروي وهو اللاعب الموهوب؟
دخلت غرفتي وأحكمت إغلاق الباب، وشغلت حاسوبي، وبدأت البحث عن البث المباشر للمبارة، ظفرت بمشاهدتها ، ولأني أخاف أن يكتشف أمري ، حملت كتابا بين يدي كنت قد بدأت قراءته ، وقد بلغت فيه الصفحة 50، ولعله من أفضل الأعمال الأدبية التي أتسلى وأفرح بقراءتها، إنه كتاب ” رواء مكة ” لصاحبه الأديب حسن أوريد.
قلت في خيالي ، لن تستطيع الكرة أن تصرفني عن هذا الكتاب أو تغلبني عليه، مهما كانت المبارة ومهما كانت النتيجة.
لكنه العكس الذي وقع، وأنا أقرأ صفحتين اوثلاث حتى وجدتني ، أصيح ، وأكبر على وقع هدف خرافي للاعب زياش، لكن نشوة الفرح لم تستمر ، حيث الهدف لم يحتسب بعد الرجوع لتقنية الفار، ورجعت لرشدي وحملت كتابي مرة ثانية، لكن جمال مجريات المباراة وإيقاعها الغير عادي لم يفلتني، حتى ألفيتني بصدق أدعو الله متضرعا خاشعا النصر ، أو قل: الانتصار على المنتخب البلجيكي.
استويت جالسا وقد كنت مستلقيا ، اتابع الجزء الأخير من هذه المباراة، التي فتحت لي حنينا على الماضي البعيد ، فتحت ملفات كان عمرها أكثر من خمس وثلاثين سنة ، حيث كأس العالم سنة 1986، كنت يومها مجنونا بالكرة، وسني لم يتجاوز الإثنى عشر ربيعا، كنت محبا للفريق الوطني بقيادة المدرب المهدي فريا، وتشكلته التي بقيت منقوشة في قلبي وقلوب كل المغاربة، ( الزاكي، خليفة، المريس، البياز، البويحياوي، الظلمي، الحداوي، بودربالة، كريمو، التيمومي، خيري، ميري، خالد البيض……)
لازالت أهداف كريمو و خيري، مصورة في مخيلتي، ولازلت براعة قفزات الحارس الأسطورة يومها بادو الزاكي عالقة بفكري.
كنت ولازلت افخر بهذا التاريخ الكروي الجميل، وأحسبني كنت وجيلي ضمن هذا التاريخ.
بعدها توالت علينا النكسات والانتكاسات وتجرعنا مرارة الخسارة والخسران المبين.
أما وقد شب زيد عن الطوق وتركت الكرة جملة وتفصيلا ، اخترت طريق الجد رغم وعورة مسالكه وتشعبها .
رجعت بعد شرود على وقع هدف النصيري، وما صاحبه من فرحة عارمة عمت ربوع المملكة ودخلت الفرحة وتسللت إلى قلوب كل العرب والمسلمين، وماهي إلا دقائق معدودات حتى ازدانت شباك المنتخب البلجيكي بالهدف الثاني من توقيع اللاعب الموهوب زكريا بوخلالة ، الذي صنع انتصارا صحبة لا عبين مهرة .
هنا جمعت اطرافي واستويت واقفا أحمد الله، وأشكره وعيني على سجود الشكر الجماعي الذي تزين به الملعب صحبة المدرب القدير وليد، سجود يظهر بوضوح ارتباط أبطالنا بالهوية الإسلامية، و إعلاءا لكلمة الله،”كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب” .
قلت ماهذا ياهذا؟ هل أصدق ما أرى ؟ وليس من رأى كمن سمع .
انتهت المباراة بانتصار جميل ورائع روعة احتضان اللاعب حكيمي أمه ، والعالم يشاهد دفء هذا الاحتضان وعيون الصحفيين ترصد مثل هذه اللحظات الدافئة ،
تكبير في جنبات المدرجات، ورفع للأعلام الوطنية وحتى الفلسطينية، وسجود الشكر الجماعي .
وتذكرت قوله تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ “سورة يونس 58.
قلت هذا فريق منسجم وفتي، يحمل عناصر الانتصار في أسماء لاعبيه، فهذا بو فأل : فأل حسن، وهذا النصيري : عنوان النصر وتوقيعه، وهذا حمدالله: حمد لله والشكر لله. وهذا أمرابط: مرابط في الميدان يصد تحركات الخصم، وهذا حكيم ، حكيم المقابلة ، وهذا أشرف، وهذا وليد الرقراقي: النهر الرقراق …..
فرحت وأنا أعتقد جازما ان هذا الإنجاز لا يعدو أن يكون مجرد فقاعات سرعان ما تنطفئ ويغيب بريقها ولمعانها .
قلت ياليتنا ننتصر في مقابلة التعليم أولا ونثني بمقابلة الصحة، ونثلث بالعدل والحرية والمساوات، فننتصر في ساحات العلوم والتكنولوجيا ، وننافسهم وقد ننتصر عليهم كما انتصرنا عليهم في الكرة، وأنا أتتبع تقنيات اللاعب زياش، ومراوغات بوفال ، وتوغلات حمد الله وقدفات حكيمي ،وقوة امرابط شعرت بأننا نستطيع ان نحقق الانتصار.
قلت في خيالي: لماذا لا نستفيد من كرة القدم؟ ونبحث عن مدرب مشبع بالوطنية ، نصنع به فريقا متكاملا منسجما على شاكلة ما فعل المدرب القدير وليد.
لماذا لا نستفيد من خبرة العالم رشيد اليزمي ، ونفتح له الأفاق ونقدم له الدعم ، ولو عشر ما ينفق على الكورة، ونحن نعلم قيمة الباطرية اليوم وفي المستقبل، وما ستحدته في عالم السيارات .
لماذا نترك أمثال هؤلاء في الاحتياط؟ وعلى الهامش، وأقصى ما نفعل بهم هو توشيحهم ، وأن نقول لهم: “تبارك الله عليكم”
شكرا جزيلا لكم ” “كتشرفونا و تحمرو لينا الوجه” .
وبعدها نقول لهم : إلى اللقاء لسنا في حاجة لاكتشافاتكم ولا لاختراعاتكم .
أنهكنا الفساد وضيع علينا فرص التغير، قتلنا الاستبداد وقطع علينا الطريق نحو التحرر والانعتاق .
وسرعان ما انتبهت ، أني أنتظر بشغف نزال يوم الخميس ، أنتظر مبارة المنتخب مع نظيره الكندي، ربما أصبحت مدمنا على الكورة، أو هكذا يخيل لي.
كان اليوم الموعود وشاهد ومشهود، صليت العصر في المسجد الذي أضحى فارغا إلا من أولائك الذين هرعوا إلى المسجد من أمثالي يتضرعون العلي القدير بتحقيق النصر .
ربما استجاب الله دعائي، حيث رجعت البيت بعد ربع ساعة من انطلاق المبارة فكانت النتيجة هدفين لصفر.
وأنا أتابع ما تبقى من زمن المباراة ، أسترجع تصريحات الناخب الوطني ، وليد الرݣراݣي: النية، ونديرو النية، الدعاء ، ثم الدعاء، الدراري كيتقاتلو ، الدراري كيحبو بلادهم، نموتو من أجل تحقيق الحلم، نحلم بكأس العالم، الإعلام حتى هو خصو يقول : أننا سنفوز،……..
وأخيرا ينتصر المنتخب، وينتقل للربع بفوز مستحق على المنتخب الإسباني ،
وصدق الله العظيم إذ يقول: ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58).