ذ : إدريس حيدر
فقد أعقبت هزيمة العرب في يونيه 1967 و انعكاسها على الوجدان العربي و تأثيرها على الساحة السياسية العربية ،حيث حصل مَدٌّ ثوري و رأت النور تنظيمات يسارية ماركسية كرد فعل عن النكسة .
انتفاضة الطلاب في فرنسا ماي 1968و التي أثرت في كل شباب العالم و كانت انطلاقة لعالم جديد صاحبتها نقاشات فكرية قوية و غنية و أفرزت مفكرين و فلاسفة جدد .
و بالمقابل ،شهدت بلادنا ،أحداثا خطيرة :
* اختطاف و تصفية قائد اليسار المغربي و الزعيم العالم ثالثي: ” المهدي بن بركة ” سنة 1965.
* انتفاضة الدار البيضاء : 23 مارس 1965.
* انقلابين عسكريين في بداية السبعينات .
* محاكمة مناضلي اليسار الماركسي ،بداية السبعينات.
كل تلك الأحداث المتسارعة و الفارقة أثرت بشكل إيجابي في نمو الوعي السياسي في البلاد ، كما أن النقاشات السياسية و الفكرية لم تكن تتوقف و بالتالي انعكست على الحياة الثقافية هي الأخرى ،حيث شهدت ديناميكية استثنائية.
و كنت برفقة أصدقائي، أبناء تلك المدينة الشمالية المهمشة ، قد بدأنا نساهم و ننخرط في الفعل السياسي و الثقافي ، و الفضل في ذلك كان يرجع لأجواء الفكر و التعلم التي كانت سائدة في مدينتنا عن طريق جمعيات ثقافية جادة و متميزة و فرسان نوعيين أمثال: بوأحمد – محمد قدامة – عبد السلام السكتاوي – المهدي المجول – انور المرتجي- أحمد الطود و آخرون .
و في هذا الإطار زار بلدتنا الشاعر السوري المرموق : ” نزار قباني ” و نُظِّمت له أمسية ثقافية ،يمكن اعتبارها مهرجانا للشعر ،حيث القى امامه شعراء المدينة أجمل القصائد .
كما أن الحياة السياسية – هي الأخرى- كانت نشيطة في مدينتنا ،مما جعل الشهيد :” المهدي بن مباركة ” يزورها باعتبارها قلعة يسارية و يلقي فيها خطابا جماهيريا ،حماسيا رائعا .
و إذن في بيئة العلم ،الثقافة و السياسة عشنا كجيل ما بعد الاستقلال.
و هكذا بدأت شخصية شباب هذه المدينة تنفتح و تتكيف مع أجواء العاصمة ” الرباط” ، بعد أن خلعت عنها ثوب الخجل، التقوقع ،الانطواء و الابتعاد عن سيرورة الأحداث و عدم المساهمة فيها .
و كنت ازور بين الفينة و الأخرى، صديقا عزيزا هو : السكتاوي محمد ، الذي كان يمتهن التعليم ،و أقضى أياما معه في منزله بصحبة رفاقه ،و كنت و كأنني في حلقات التكوين من خلال ورشات للنقاش في السياسة و الفكر.
و تعرفت من خلاله على أشخاص مناضلين مخلصين و اشاوش ينتمي أغلبهم إلى المغرب العميق و يشتغلون في التعليم .
المناقشات كانت قوية و شديدة و تظل و تستمر إلى ساعات متأخرة من الليل .
و بعد وضوح الرؤية و الأفق، و بعد التسلح بفكر نقدي و التشبع بقيم فضلى نتيجة لقراءات فكرية متنوعة ،و الاحتكاك بشباب آخر قادم من مدن مغربية أخرى ،بدأت تُفْرَزُ لدى بعضنا القناعات و الممارسات الرفيعة .
يتبع…