
– ذ . أحمد العبودي :
يشكّل عمل المفتش التربوي أحد أكثر المهن صمتًا وأكثرها تضحية وأهمية في المنظومة التعليمية. فبينما يبدو بريق مهامه على الورق إشرافًا وتتبّعًا وتقويمًا، فإن واقع تنقّله بين مناطق الإقليم أو الأقاليم يكشف عن وجهٍ آخر للمهنة، وجهٍ يمتزج فيه الواجب بالمشقة، والمهمة بالتحدّي اليومي. فالمفتش غالبًا ما يشقّ طرقًا طويلة ومتعبة، منطلقا من من المدينة التي يقيم فيها، أحيانًا بسيارته الخاصة، وأحيانًا بسيارة الإدارة إن وُجدت، وفي أحيان اخرى قد يضطر إلى ركوب وسائل النقل العمومية لبلوغ أبعد نقطة تربوية في مقاطعة تفتيشه.
تشتدّ المعاناة في فصل الشتاء، حين تتحوّل الطرق الجبلية والمسالك الوعرة إلى اختبار حقيقي للصمود؛ مطر غزير، ضباب كثيف، سيول مفاجئة…ومع ذلك يمضي المفتش في سبيل أداء مهمته، مدفوعًا بشعور عميق بالمسؤولية تجاه المدرسين ،والمتعلمين على حدّ سواء.

ولا شك أن حادثة العرائش المأساوية شاهد مؤلم على خطورة مسارات المهنية ورسالتها. فقد خيّم الحزن على أسرة التربية حين راحت صفاء الزياني المفتشة تربوية ضحية لحادثة حزينة يوم الاثنين الماضي، وأصيبت معها زميلتها والسائق، في رحلة كان يفترض أن تكون عادية ضمن واجبها المهني. حادثة أدمت القلوب وذكّرت الجميع بأن وراء كل تقرير تربوي، وكل زيارة صفية، قلوبًا تخفق في طريق محفوف بمخاطر سنة.
إن معاناة المفتش ليست خيارًا، بل هي جزء من ضريبة الواجب. وهو في كل تنقلاته يحوّل تعب الطريق إلى التزام، والخطر إلى رسالة، مؤمنًا بأن تحسين جودة التعليم يبدأ أحيانًا بخطوة…على طريق لا ترحم .