رأيي في صراع بئيس.

15 نوفمبر 2025
Oplus_131072

– لبيب المسعدي :

في مدينة القصر الكبير! إذا أردت أن تطلق صفة لص على إنسان ونعته بأرذل الأوصاف، فما عليك سوى توجيهها لسائق سيارة الأجرة، فتلك هي الحلقة الضعيفة، والاستثمار الأضمن لكي تصبح بطلا وطنيا ضد الفساد، فالمجتمع بكافة شرائحه، من مثقفيه إلى بسطائه، سيبارك لك هذه الشجاعة، وسيسارع الجميع إلى حشد الشهادات على لؤم السائقين وطمعهم. أما في الحقيقة التي يتغابى عنها الفهماء، ما هم سوى أمثالكم وأمثال أسيادكم، رسل لهيكلة قطاعهم الفاشلة، رسل لريع نخر كل المجالات، رسل يستغيثون على حافة الموت لاقتصاد منهار.
نعم، هناك من يستحق اللعنات. هناك من يلتف مثل ثعبان حول مسار الرحلة ليضاعف الثمن. هناك من يرفض الرحلة إلا إذا كانت مغامرة استكشافية بأسعار الذهب. لكن، هل رأيتم يوما حقوقيا أو منتخبا يدافع عن سائق؟ أو مشرعا يترافع عن القطاع وأوضاع المهنيين ؟ للأسف عندما يتعلق الأمر بالضعفاء فالكل يفهم فالقانون. وحتى السياسي يرى في جمعياتهم منافسة انتخابية، فيحاول الركوب على بعضهم، فيفرق كي يسود، وللأسف ينجح.
تخيلوا معي: رجل يقود 12 ساعة يومياً، مرتحلا بين المطر والحر، يخيط الطرقات الملتوية والمطبات بسيارة آيلة للسقوط في مدينة آيلة للسقوط هي ايضا، وجهه ملعب للشمس، وظهره مقعد دائم للألم. لا تغطية صحية تحميه إذ مرض، ولا معاش تقاعده ينتظره إذ طار غراب رأسه. مستقبله أشبه بسيارته، كلاهما يسير نحو الهاوية، دون معرفة من سينهار أولا!
هم لا يسرقون، بل يبيعون لك دقائق من عمرهم المليء بالمخاطر. هم ليسوا أثرياء، بل مقامرون في كازينو الطرقات، يراهنون على أن تصل سيارتهم، وأجسادهم وعقولهم سالمة إلى نهاية اليوم.
فلماذا نكيل لهم الاتهامات وننسى الجناة الحقيقيين ؟
نعم، هناك ممارسات خاطئة، ولكن أليست هذه صورة مصغرة عن مجتمع يغلي بالاستثناءات والبحث عن القوت؟ لماذا نصدر أحكاما بالإعدام الأخلاقي على سائقي التاكسي، بينما نتغاضى عن الصوص الرسميون، وسارقي أحلام الشباب في الوظائف، و ممتهني السياسة بائعي الوهم للمواطنين والمنظرين الكسالى في مكاتب مكيفة؟
قبل أن تطلقوا أوصاف اللصوص على سائقي الأجرة في القصر الكبير، توقفوا قليلا. هؤلاء الرجال ليسوا أبطالا خارقين، لكنهم أيضا ليسوا مجرمين. هم بشر يعيشون واقعا مريرا، يائسون مثل إطارات سياراتهم المهترئة، يصارعون من أجل بقائهم في مدينة لا ترحم.
ربما، بدلا من شتمهم، علينا أن نطالب بتحسين أوضاعهم. ربما، بدلا من وصفهم بأرذل الأوصاف، علينا أن نرى في عيونهم خيبة أمل شبيهة بخيبة أملنا جميعا في واقع أصبحنا فيه جميعا… ركابا في سيارة واحدة، تتجه نحو المجهول، وعدادها يصعد… ويصعد… دون أن نعرف من سيدفع الثمن في النهاية.
تبا!
#لبيبيات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading