
/ بقلم :الأستاذة أسماء التمالح
من أين أبدا الكتابة عنك وأين أنهيها؟
لقد لخصت كل أشكال المعاناة وكشفت بصدق عن الواقع المرير الذي تعيشه مدينة القصر الكبير، لقد عريت ما يغطيه المنافقون والمطبلون والمزمرون الذين يزورون حقيقة الواقع الإجتماعي البئيس الذي لم يعرف تغييرا إلا في مخيلتهم فقط، فيروجون له بأنه يعيش أبهى حلة مع الكائن الإنتخابي الحالي والحزب السياسي المسير.
موتك أفجعنا لا محالة يا ابنتي، صورتك وأنت ملقاة على الأرض وآثار الإعتداء على وجهك وجسدك النحيل أبكانا وحملنا المسؤولية كبارا وصغارا.
كيف نصمت على تهميش مستمر ومتواصل بهذه المدينة؟ كيف نتعايش مع انتشار فضاءات تشكل مراتع خصبة لجميع أشكال الجرائم؟ كيف ندير أظهرنا لصوت الحق ولا ننتصر له ؟
اليوم أنت ضحية بؤس فكري جماعي تحركه النزعة الفردية التي ترعى مصالحها وكفى، لا يهمها الآخر المعرضة حياته للمخاطر، ولا يهمها حمايته وسلامته.
سابقا كان الجيران يلتفون حول بعضهم في السراء والضراء، بنت هذه الأسرة دمها وعرضها من دم وعرض سكان الحي جميعا، إذ لا فرق بينها وبين مثيلاتها، ما يؤذيها يؤذي الجماعة كلها، وما يسرها يسر الحي كله.
تغير كل شيء يا هداية يا ٱبنتي، وصارت الثقة مفقودة في أقرب الناس وأشدهم معرفة بالغير، انتصر الشر على الخير، وطغت الرذيلة على حساب الفضيلة، غابت قيم التلاحم والمحبة والإخاء، وحضرت البراءة من كل معاني الإنسانية والتخلص من قواميس الرحمة والتوادد، فكانت النتيجة ما حصل لك.
هداية يا بنتي أنت الآن في المكان الذي يليق بك، بين يدي رحمان كريم لن يعذبك ولن يظلمك ولن يسمح بأي وغد للاقتراب منك مجددا، هجرت دار الباطل التي رمت بك بين أنياب الوحوش الآدمية التي لا ترحم، أسمع أنينك، ويعذبني صدى صوتك البريء الذي صرخ كثيرا دون أن يبلغ مسامع أحد منا إلى أن عثر عليك قتيلة مغتصبة ذاقت العذاب قبل الوداع الأخير.
آه يا هداية يا بنتي .. لو تعلمين كم شكينا وبكينا ولمنا وعاتبنا، وكم حولنا الأنظار لنقط سوداء بالمدينة تحتاج للتدخل من أجل أمن وسلامة الجميع، كم نبهنا إلى التهميش الذي يطال هذه المدينة التعيسة و الإقصاء الممنهج في حقها وطالبنا برفعه حفاظا على حياة الناس وصيانة لكرامتهم ولا أذن سمعت ولا واقع تغير.
لو لم تكون أنت يا هداية يا بنتي كانت ستكون أخرى مكانك، لا مفر من واقعة تشبه واقعتك في ظل مناخ خصب لتنفيذ الجريمة بكامل الارتياح دون إزعاج من سلطة او مراقبة من مسؤول أو تحرك مبعثه الغيرة والمحبة الصافية من أحد ممن يعرفونك داخل الحي أو خارجه.
هكذا باتت حياتنا، الكل حريص على حياته ورغد عيشه هو فقط، لا يهمه راحة الغير ومصلحته وسعادته، الانغلاق والتجسس على أخبار الغير من وراء حجاب شغل الناس الشاغل، وليت هذا الانشغال كان بفائدة ومنفعة، حسبهم أن يجدوا ما يلوكوا به ألسنتهم غيبة ونميمة.
هداية يا بنتي .. طهرك لا مكان له في هذا العالم، نقاؤك غير معترف به في دنيا التلوث الشامل، براءتك أنهت مسيرة جحيم كان ينتظرك في ظل انهيار منظومة القيم وقساوة حياة تفتقر لأبسط ضروريات العيش الكريم وهي توفير الأمن والأمان ، وحماية الطفولة من الأيادي القذرة التي تمتد إليها بالسوء، و..و..و..
الكلام كثير ويا ليته كان ينفع في شيء الآن، سامحينا يا هداية يا بنتي، فقبل أن تغتصبي جنسيا اغتصبت طفولتك ولم تنعمي بها في ظل بيت متماسك وأسرة مستقرة، وقبل ان يعتدى عليك اعتداء ماديا اعتدي عليك اعتداء معنويا حين سكت الجميع عن الإدلاء بشهادته في اختفائك وآخر ظهور لك، وقبل أن تسلمي الروح لبارئها سلمت براءة من بيئة يحكمها قانون الغاب، القوي يفترس فيها الضعيف، والغني يتنكر فيها للفقير، والكلمة لمن يتقن فن الخداع والغدر، وهذه هي النهاية.
سلام عليك حين ولدت، وحين أذن رب العالمين بالتقاط أنفاسك الأخيرة فمتي، سلام عليك يوم تبعثين وتقتصين من ظالم سلبك الشرف و الحياة بوحشية وبلا ضمير.
Tags