مقتطف من مذكراتي :

26 سبتمبر 2025

بقلم : لبيب لمسعدي :
بمناسبة زيارة القنصل الفرنسي  الصديق Thierry Vallat للمدينة بدعوة من جمعية معا لفك العزلة عن المسنين.

موكب الفخامة والعبقرية المحلية: رحلة الوفد الدبلوماسي في ربوع المدينة العتيقة

أولاً: باب البلدية المهيب
يبدأ الاستقبال الأسطوري عند باب البلدية العظيم، حيث تنتصب لوحة ترحيبية تعلن عن “مدينة الغد المشرق” بخط عريض يخفي خلفه صدأ الحديد المتآكل. ها هو فخامة الرئيس، مهندس نهضة المدينة، يستقبل ضيوفه الأفاضل تحت قوس الباب المهترئ، الذي يصافح الزائر برائحة مميزة تخلط بين عبق التاريخ ونفايات الأمس. مشهد يعكس بساطة مخلوقة متعمدة، حيث يتبارك الوفد بأول نسمات الأصالة قبل انطلاق رحلة العجائب.

ثانياً: دار الثقافة الشامخة
بخطوات واثقة، ينتقل الموكب إلى دار الثقافة الشامخة، التي تقف شاهدا على عراقة الموروث الثقافي. هنا، يتوقف الوفد إجلالا أمام الباب العتيق المغلق بإحكام، حيث يعلق فخامة الرئيس مبتسما: هذا إنجازنا نحميه من عبث العابثين! في إشارة ذكية إلى أن بعض الكنوز ثقيلة جدا على الفهم العادي، فتحفظ خلف أقفال الجهل والتجاهل كتحفة لا تقدر بثمن.
ثالثاً: حي الديوان الأصيل
ثم يأتي دور الانغماس في نبض الشارع العتيق عند حي الديوان، حيث يحول الرئيس الزيارة إلى كرنفال شعبي عفوي. ها هو يقبل برقة رأس السيدة الركراكية التي توزع لعابها بإنصاف على الضيوف، فهي أيقونة الحي التي تختزل حكايات الأجداد في عينيها، بينما يلتقط المصورون اللحظة التاريخية التي يلتقي فيها الدبلوماسي العالمي بالحمقى الطيبين والمعاقين والمرضى النفسيين وقدماء العاهرات والسجناء، في لوحة إنسانية تذوب فيها الفوارق الطبقية تحت شمس الأصالة.
رابعاً: المسجد الأعظم التاريخي
تضاف لمسة روحانية إلى الجولة عند المسجد الأعظم، الذي اجتاز أخيراً مرحلة “تطوير جريئة”. لقد نجح الترميم الأخير في محو المعالم التاريخية المتوارثة بنجاح باهر، ليقدم للوفد نموذجاً معمارياً “حديثاً” يخلط بين الطراز الإسلامي الأصيل وأسلوب “اللامعالم” الثوري، حيث تذوب التفاصيل الأثرية في ألوان زاهية تثبت أن العبقرية تكمن في القدرة على محو الذاكرة برشاقة.
خامسا : الملحقة الجامعية المبتكرة
محطة العلم والمعرفة، في الملحقة الجامعية، فتبهر الضيوف برؤية مستقبل الوطن. هنا، يحاط الوفد بحشود من الطلبة المفكرين غالبيتهم صغار الحجم، الذين يملؤون المدرج كتلاميذ قسم الثاني ابتدائي بمدرسة مولاي رشيد جوج، في استراتيجية تربوية فذة تهدف إلى إعادة إنتاج براءة الطفولة في أجساد جامعية، مما أثار إعجاب الوفد الذي قد يصفها بالعبقرية البيداغوجية.
سادسا: دار الرميقي التاريخي.
تختتم الرحلة الأسطورية، حيث يستقبل الرئيس وضيوفه بحفاوة من قبل نخبة المجتمع المدني. هنا تتبارز الألقاب والفعاليات: من ربيعة الطباخة، سيدة الأطباق التقليدية، إلى النائبة المتفانية بمركز عديم التخصصات التي تبرعت بوقتها الثمين رغم انشغالاتها الكثيرة. ولا تنسى رئيسة جمعية السفيفة والطرز، التي تشرح للوفد كيف حولت نسوة المدينة خيبات الأمل الزوجية إلى لوحات فنية تزين بها السفارات العالمية.
طوال الرحلة، كان الوفد يمر مرور الكرام على المشاريع الخفية التي تزيد من روعة المسار: مراحيض عمومية غير مرئية بتصميم مستقبلي (غيابها يثير الإعجاب)، وشبكة ولوجيات متطورة (طريق ترابية واحدة تتقبل كل أنواع المركبات)، وتناسق ألوان جريء بين المحلات التجارية (صفعات ألوان عشوائية تخلق فناً تجريدياً حياً). كلها تفاصيل تثبت أن الجمال الحقيقي يكمن في الفوضى الخلاقة، والتي لا يقدر على إدارتها إلا قادة بحجم فخامة الرئيس.

#لبيبيات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading