لا زربة على صلاح قصة قصيرة.

7 سبتمبر 2025

بقلم : زكرياء الساحلي :
تذكرت ذلك اليوم البعيد الذي صنعة فيه حسابا وهميا على الفيسبوك حتى أوقع بأحدهم.
اِستعادت ذاكرتي هذه الحكاية، وأنا أجد نفسي الوحيد – أو ربما من بين قلة قليلة- لم نتطرق لموضوع اعتقال ممثلة وصديقتها مع مخرج في شقة، بعد ان تقدمت زوجته بشكاية تتتهمه بالخيانة.
وقفت أتأمل كيف خول الناس لأنفسهم المسارعة إلى مشاركة صورة الممثلة من موقع اخباري متخصص في نشر الفضائح، كنت أعلم أن الأغلبية المطلقة تعشق الإطلاع على عورات الآخرين، لكن فضائحهم هم يمنون النفس بأن تظل مستورة في صندوق حديدي، أما ما عداها فمباح للنشر والتشهير.
تعلمت الكثير من تجربتي البسيطة في المجال الإعلامي، ف”القصر فوروم” منذ انطلاقه عام 2007 لم يكن مجرد موقع اخباري يعنى بالاخبار المحلية فقط، بل كان مدرسة تعلمنا فيها أصول الكتابة الصحفية وأخلاقياتها، كنا من أوائل المواقع في المغرب التي سنت في خطها التحريري قانونا داخليا مبنيا على ميثاق أخلاقيات المهنة الصحافة، حيث جعلنا من احترام كرامة الإنسان مبدأ لا يتجزء، مع نبذ الكراهية والتمييز والتطرف، واحترام الحياة الخاصة للأفراد، وعدم ذكر الأسماء الكاملة أو نشر صور وجوه من تكتب حولهم المقالات الإخبارية، ما عدا كتاب الرأي طبعا.
وبما أننا لسنا خريجي معاهد الصحافة والاعلام، وتبنينا مقاربة “الإعلام المواطن”، فقد عملنا على صقل مهاراتنا في مجال الكتابة الصحفية وتطويرها باستمرار، كثيرا ما كنا نستضيف صحفيين كبار (بشكل تطوعي وبدون أي مقابل) لتقديم ورشات تكوينية في هذا المجال، وكانوا دائما يفتتحون تكوينهم بمحور أخلاقيات الكتابة، مذكرين إيانا بأن الكلمة مثل الرصاصة؛ إذا خرجت لا تعود، وستكون لها عواقب إذا كانت خاطئة أو طائشة.
ما زلت أذكر كلمات أحد المؤطرين حين قال:
في عالم الصحافة دائما ما ينجذب القارئ مهما كان توجه- لما سماها أخبار
trois (s)
أولا Sexe: (الجنس) الأخبار المتعلقة بالجرائم الجنسية، الخيانة، العلاقات الممنوعة…
ثانيا Sang: (الدم) أخبار الجرائم الدموية، الحروب، الهجومات الارهابية، حوادث السير الكبيرة…
ثالثا Sous: (المال) الأخبار المتعلقة بالفضائح المالية، الرشوة، والإختلاسات…
تعلمنا أن هناك خيطا رفيعا بين الصحافة الرصينة التي تهتم بتوسيع أخبارها بالاهتمام بقضايا متنوعة (رياضية، تعلمية، تكنولوجيا، بيئية…) وبين صحافة الإثارة التي تركز فقط على les trois s والتي يكون جمهورها مكون من عشاق الفضائح فقط.
لهذا كنا دائما ما نفضل التريث واخراج الخبر الصحيح بعد التقصي منه عبر مصارد متنوعة، بدل الانسياق نحو السبق الصحفي الذي قد يتبين فيما بعد أنه خبر زائف أم مغلوط أو يجانب الحقيقة وهذا كان سر مصداقيتنا، حيث يعلم القارئ المحلي أن الخبر إذا نزل في صفحة بوابة القصر الكبير (القصر فوروم) فهو خبر صحيح لا مجال للشك فيه.
مضيت على هذا المنوال مع رفاقي في هيئة التحرير حتى بعد تعرضي لحادثة السير مع القطار، ولم أتوقف عن الكتابة الصحفية إلا بعد حظر الموقع بحكم قضائي، بسبب عدم قدرتنا على ملاءمته مع قانون الصحافة والنشر الجديد، وذلك قبل انتشار جائحة كورونا.
مازلت أذكر ذلك اليوم البعيد الذي أنشأت فيه حسابا فيسبوكيا أخر باسم مستعار للانتقام من أحد مدعي الصحافة، فرغم كوني أملك من الوقاحة ما يكفي (والتي يعرفها القدماء وقد جربها بعضهم) في أن أهاجم بالكلمات القاسية أو المهينة إذا تجاوز أحدهم حدوده معي، ولو وصلت إلى السب والقذف، وكنت دائما اعتقد أن جرأتي تكفيني ولا أحتاج إلى اسما مستعارا او حسابا بديلا ، لكن هذه المرة (والتي هي الأولى والأخيرة) وجدت نفسي مضطرا لذلك.
كنت قبل نشر أي مقال صحفي أتنقل إلى عين المكان بكرسيي المتحرك، فأستقصي الخبر، وأستمع إلى الأراء المتعددة، ثم أربط الاتصال بالمؤسسات الرسمية لأخذ وجهة نظرها، ثم أعود بعدها لإعداد المقال، ثم أمحصه لغويا وما أن ينشر على موقع البوابة حتى يقدم أحد مدعي “الاعلام” بسرقة مقالي الذي “عرقت” من أجل كتابته، فينشره بكل وقاحة في موقعه بالنقطة والفاصلة، لا يغير فيه إلا شيئا واحدا، يحذف إسمي ثم يكتب إسمه، ثم يروج الخبر في الصفحات الفيسبوكية.
كانت دائما تتكرر العملية، أنا أتنقل وأتعب، وهو يسرق وينسب لنفسه، لهذا السبب صنعت حسابا وهميا، ثم أرسلت له طلب صداقة، وفور موافقته، كتبت خبرا عاجلا قلت فيه (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم جريمة قتل بشعة تهز مدينة القصر الكبير)
سال لعابه، ولم يهتم بكون حسابي الفيسبوكي جديد ولا لقلة التفاعل فيه، فدخل عندي في الخاص يستفسر، فقلت له (أن شابا مدمنا قتل والده بعد أن حاول سلبه بعض الأموال، لكن الأب قاوم وكانت النتيجة أنه أرداه قتيلا)
صاغ الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم، سال لعابه من كثرة اللايكات والتعليقات، وبعد أن ابتعل الطعم حذفت حسابي الوهمي، وجلست أتفرج عليه وهو يتعرض لهجوم كبير من طرف “قصراوة العالم” الذين اتهموه بالكذب وتشويه سمعة المدينة، ربما حاول البحث عن حسابي فلم يجده، فأحس بقالب السكر الذي طلع معه، فحذف الخبره واعتذر للجميع.
ابتسمت في داخلية ورددت المثل الشعبي الشهير “لا زربة على صلاح”
وهو المثل الشعبي نفسه الذي دفعني لعدم الخوض في كثير من القضايا والمواضيع بما فيها موضوع هذه الممثلة

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading