
– بقلم : الأستاذة حنان قدامة .
كانت أشعة الشمس تتسلل بدلال الى غرفتي حينما أيقظني نباح كلاب متصارعة .
بخطوات ثقيلة توجهت صوب النافذة ، فتحت شباكها الحديدي لتبعث لي حاوية القمامة كعادتها سلاما مع نسيم الصباح الهارب من قبضة رائحتها الخانقة الممتزجة بملوحة الحديد الصدئ .
طيلة سنوات لم تبرح حاوية القمامة مكانها في وسط الشارع النابض بكل شيء غير الحياة ،كانت مصنوعة من الحديد ، لونها الأخضر يكاد يتشح بالسواد ,
تعلوها ناطحات سحاب من النفايات وتفرش ارضها بزرابي مبثوثة من بقايا أطعمة تتسابق على نهشها كلاب و قطط جائعة بعد أن ينصرف عنها النابشون من متشردي و.مجانين المدينة الكثر
. .
في ذاك الصباح ،خاطبها غضبي : ألم تجدي غير وسط الشارع تتخذينه سكنا لك ؟
-بهدوء عقبت : الذنب ليس ذنبي ،هم من أسكنوني وسط الشارع .
لم يفحمني جوابها ،فاسترسلت في الحديث : أتدرين ،ما دمت تسكنين وسط الشارع فسنظل دوما موعودين بعفنك…بذبابك و بجرذانك
ابتسمت ابتسامة ماكرة قبل أن تردف : ما دمت أنا هنا لن تنعموا بالنظام أبدا،فحيثما توجد الأوساخ توجد الفوضى .لم ألتفت اليها وقلت في نفسي :اذن هي فوضى موعودة….. فجأة قطع همسنا الخافت صوت سيارة مسرعة، توقفت بجانب صندوق القمامة حيث ألقى سائقها ببقايا طعام سقطت فوق الأرض لتهرع اليها القطط والكلاب المتعاركة. ة
بحسرة نظرت الي وهي تتمتم :أرأيت ما يصنع بي ؟لم أعر شكواها اهتماما لتستطرد دون النظر الي :أنتم البشر لا تقدرون ولا تعترفون بأفضالي. ب
باندفاع أجبتها :لا نعرف لك الا فضلا واحدا .سخرت من كلامي وبزهو مملوء بالعفن بادرتني بالقول. :أنتم لا تدركون أنني مرآة مجتمعكم … تملكتني الدهشة فأشفقت على دهشتي حاوية القمامة :أنا من نفاياتكم أعرف تمدنكم … طبعكم.. نمط عيشكم وأسراركم العاطفية.لم تنتظر سؤالي فواصلت حديثها :من كرتونات البيتزا وعلب الشيبس وقنينات الجعة أدرك مدى تدينكم ونمط تغذيتكم ومن صور العاشقين الممزقة أستطلع احوالكم العاطفية ومع ذلك أنا لا أخذلكم ولا أذيع سركم. . م.
راقني حديث الحاوية ،وجدتني في قرارة نفسي انتفض وأقول :صدقت و الله .. فقد تذكرت قصة المغني العالمي “بوب ديلان “”. مع الباحث عن أخباره وخصوصياته في قمامة اقامته قبل ظهور صحافة ” الباباريتز.ي. ي .
ايقظني من شرودي صندوق القمامة وهو يسألني :هل توافقيني الرأي ؟صحت :نعم ،. لكن هذا الأمر لايشقع لك أن تحتلي وسط شارعي ….. .بهدوء عقبت على ملاحظتي :أنا لا أتحمل أية مسؤولية ،سل عن ذلك مسؤولي المدينة،. أنا أعجب مثلك كيف لشعب لا يستطيع أن يضع قمامته في المكان المناسب..أن يختار الشخص المناسب في المنصب المناسب .استحسنت حديثهارغم القرف الذي يصيبني منها ، فأغلقت النافذة وكلي أمل في أن أفتحها غدا فتستقبل صباحي نافورة تغازل قطرات مائها أصائص الورد الجوري بدلا من صندوق قمامة صارخ بالاهمال والاشمئزاز. . ز
حنان قدامة في 25/08/2025