
ذ .محمد الشدادي :
في مدينة القصر الكبير، لم تعد مشاهد الحمقى والمصابين باضطرابات عقلية مجرد حالات معزولة، بل تحولت إلى ظاهرة يومية تثير القلق وتستدعي التدخل العاجل. يتجول هؤلاء الأشخاص في الشوارع والأحياء دون أي إشراف أو رعاية، ويصدر عن بعضهم سلوك عدواني أو غير أخلاقي يهدد سلامة المواطنين ويقوض الإحساس بالأمن داخل المدينة. فمنهم من يعتدي جسديا على المارة دون سبب واضح، ومنهم من يكسر زجاج السيارات المركونة في الشوارع، ومنهم من يتعرى علنا أمام الأطفال والنساء، غير آبه بحرمة المكان أو نظرة المجتمع.
الأمر لا يقتصر على السلوك الجسدي، بل يتعداه إلى الكلام الفاحش والسباب العلني، الذي يسمع في الأسواق، قرب المقاهي، وفي الشوارع، دون أن يتحرك أحد لردع هذه التصرفات أو احتوائها. المواطنون يعيشون حالة من التوتر الدائم، خاصة أولئك الذين يضطرون للمرور يوميا من مناطق تعرف تواجدا لهؤلاء الأشخاص، والذين قد يتحولون في أي لحظة إلى مصدر خطر حقيقي. بعضهم يحمل أدوات حادة، أو يتصرف بطريقة هستيرية، مما يجعل مجرد عبور الشارع مغامرة غير مأمونة العواقب.
القصر الكبير، باتت تعاني من هذه الظاهرة التي تسيء إلى صورتها بسبب غياب مراكز الإيواء، وانعدام فرق التدخل النفسي، وتراخي المسؤولين وتساهلهم، كلها عوامل ساهمت في تفشي هذه الظاهرة وتحولها إلى أزمة حقيقية. لا يمكن أن تترك المدينة رهينة لسلوكيات غير منضبطة، ولا يمكن أن يترك المواطنون عرضة للخوف والاعتداء دون حماية.
الحل لا يكمن في التجاهل أو التبرير، بل في التحرك الفوري. حيث يجب إحداث فرق ميدانية تضم أطباء نفسيين وأعوان أمن، تعمل على رصد الحالات الخطرة ونقلها إلى مراكز متخصصة. كما يجب توفير مأوى مؤقت للمرضى الذين يعيشون في الشارع، وتفعيل آليات التبليغ السريع، وتكثيف الحملات التحسيسية لتوعية السكان بكيفية التعامل مع هذه الحالات دون عنف أو تهويل. لا بد من إشراك المجتمع المدني، وتحفيز الإعلام المحلي على تسليط الضوء على هذه الأزمة، حتى لا تبقى طي النسيان.
القصر الكبير تستحق أن تكون مدينة آمنة، لا أن تختزل في مشاهد الفوضى النفسية والسلوكية. حماية المواطنين من الاعتداءات، وصون كرامة المرضى النفسيين، هما وجهان لعدالة اجتماعية غائبة، آن الأوان لاستعادتها.