
اليوم تحل الذكرى السادسة و العشرون لتربع ملك البلاد على العرش .
بقلم : ذ . ادريس حيدر
إذن لقد مر أكثر من ربع قرن و هو يسود و يحكم .
و بالتالي حُقَ لنا تقييم المرحلة و استخلاص أهم مخرجاتها .
فغير خاف على أحد ، أنه تولى الحكم بعد قرابة أربعة عقود لحكم أبيه الحسن الثاني ، و الذي كان عبارة عن مرحلة اتسمت بالاستبداد و انتهاك حقوق الإنسان .
و بالتالي ففي بداية حكمه ، إذن ، وجه خُطَباً كانت في أغلبها محملة برسائل و إشارات تُبَشِّرُ بحلول عهد جديد ، و منها :
- خطاب الملك و المتعلق بالمفهوم الجديد للسلطة ، و الذي احتوى على مبادئ أساسية : تخليق الحياة العامة ، ربط المسؤولية بالمحاسبة ، تفعيل المفهوم الجديد للسلطة و الخدمة العامة ، تعزيز الشفافية و النزاهة في أداء المؤسسات و محاربة الفساد و ضمان حقوق المواطنين .
-
خطابه في ” أجدير” بتاريخ : 17| 10| 2001 ، و الذي ألقاه في :” أجدير” – إقليم خنيفرة – و كان قد ضمنه تصوراً جديدا بخصوص الهوية المغربية ، حيث أكد على أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية ، و أن النهوض بها يُعَدُّ مسؤولية وطنية .
-
إنشاء هيئة الإنصاف و المصالحة : يناير 2004 ، و التي كان الهدف منها : مساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ، و النظر في كثير من القضايا : التعذيب و الاختفاء القسري و الاعتقالات التعسفية ، المرتكبة من طرف النظام خلال سنوات الرصاص من : 1956 إلى 1999، و أما أهدافها المُعلنة فهي : تعزيز حقوق الإنسان .
-
مدونة الأسرة : ظهير 3|12|2004.
و كان الهدف من وضعها هو : النهوض بحقوق الإنسان و حماية حقوق الطفل و صيانة كرامة الرجل ، و اعْتُبِرَت المدونة لبنة في المشروع المجتمعي الديمقراطي و الحداثي .
و خُطبُ أخرى ذات دلالات قصوى و أهمية بالغة .
ثم صاحب و رافق هذه المبادرات ، محاولة خلق انفراج سياسي عام ، و ذلك بالسماح بعودة الزعيم اليساري :” أبراهام سرفاتي ” من منفاه الاضطراري ب” باريس” ، و ذلك في دجنبر : 1999.
ورفع قيود الإقامة الإجبارية التي طالت مدة 10 سنوات في حق الزعيم الروحي لجماعة : ” العدل و الإحسان” ، السيد :” عبد السلام ياسين”.
كان الترقب كبيرا و الانتظارات أكبر ، كما كانت قد بدأت بعض نسائم الأمل تهب بعد انتكاسات و خيبات مقيتة .
و كان العالم العربي قد شهد في بداية العقد الثاني من هذا القرن مخاضا اصطلح عليه ( كذبا ) :” الربيع العربي ” ، و كان نصيب المغرب منها :” حركة 20 فبراير” المجيدة ، التي نادت بدمقرطة حقيقية ، و تحقيق الكرامة و الحرية للإنسان المغربي و المواطنة الكاملة .
و كان من نتائج هذه الحركة ، وضع دستور 1911، الذي و رغم علاته ، حمل في طياته كثيرا من المواد الإيجابية .
و آمن الجميع بل و صَدَّق ، أنّ مغربا جديدا بصدد التشكل ، قِوامه محاربة الفساد و حمايته من الشوائب التي كانت وراء تخلفه .
إلا أن تلك الأحلام تناثرت معً رباح واقع مرير ، ذلك أن مؤسسة الفساد و الريع عادت و أصبحت قوة ضاربة و حاكمة من خلال زواج المال بالسياسة ، و التحكم في اللعبة السياسية من خلال مؤسساتها المختلفة و المتنوعة : البرلمان ، الحكومة ، و كذا استصدار قوانين و مراسيم تحمي مصالحها ، و وضع دستور 2011 في ثلاجة الحوليات .
و الآن و تأسيسا على ما سبق ، فبعض ملامح الوضع في البلاد بعد 26 سنة من حكم الملك كالآتي :
– تعميق الفوارق الاجتماعية و استصغار و احتقار المواطن ، بما يمس كرامته و حريته و قوته .
– انفراط الثقة في الوطن .
– فرملة كل المحاولات الإيجابية ، التي تنشد التأسيس لمغرب جديد .
– نشر التفاهة و الضحالة في كل مشاهد الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية .
لقد تحول ، إذن ، الحلم الجميل و الوردي إلى كابوس يجثم على الصدور .
لقد وقع تغير رهيب في قيم حقوق الإنسان و المواطنة ، بل أصبحت سلعة في سوق النخاسة و السمسرة و المزايدة .
و نتيجة لذلك كثرت الهجومات على الأصوات الحرة في الميدان الصحافي من أجل إسكاتها و تكميمها .
و زُجَّ في السجن بمئات من نشطاء حراك ” الريف” ، الذين لاذنب لهم ، سوى أنهم رفعوا مطالب مشروعة – كما جاء في إقرار الملك في إحدى تصريحاته الصحافية – تتعلق : بالحق في التعليم ( المدارس و الجامعة ) و التطبيب ( مستشفيات ) و التشغيل ( إنشاء معامل و مصانع ) .
لقد تأكد بالملموس غياب إرادة سياسية حقيقية لتجديد العقد بين الشعب و الحاكم على أسس عادلة و بالتالي كثرت الإحباطات و إفلات المواعيد مع التاريخ و انطفأت ، إذن ، جذوة الأمل .
و إنها لعمري خيبة أمل كبيرة و رِدَّةٌ حقوقية مريرة .