
بقلم : ذ . عبد المالك العسري
في مساء مشبع بظلال الذكريات، كان اللقاء حميميا وإنسانيّا بامتياز، بمركز “إكليل” الثقافي بطنجة ، بتنظيم محكم من “بيت المبدع” برئاسة الأستاذة الزهرة الحميمدي. اللقاء خصص لتقديم كتاب “ميموزا: قصة ناج من القرن العشرين لصلاح الوديع الأسفي ، بحضور الشاعر نفسه، وتقديم شعري بهي من طرف الشاعر الحريشي، الذي نجح بأسلوبه اللافت وتلاعبه الرشيق باللغة في أن يحول التقديم إلى احتفال بالذاكرة والحياة.
الكتاب، الذي جاء ثمرة تجربة شخصية ومجتمعية، يحكي قصة خلاص فردي من قسوة جماعية، وتحديدا من ظلمة سنوات الرصاص، عبر سرد حميمي يجمع بين العاطفي والسياسي، بين السيرة الذاتية والانشغال العام.
عرض اللقاء شريطا وثائقيا دام عشرين دقيقة، تضمن شهادات وصورا مشحونة، استعاد فيها صلاح الوديع طفولته، علاقته المؤثرة بأمه، وملامح من نضال والده الذي قضى سنوات من عمره بين قضبان السجن. تلك القضبان الحديدية، التي ظهرت في مشاهد الشريط، كعناصر بصرية، تحولت إلى رمز مكثف لمعاناة جيل بكامله،سجنت ذكرياته وقهرت احلامه، لكنها في ذات الوقت كانت شهادة على الصمود، وعلى قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى كتابة، والسجن إلى نص، والجرح إلى شفاء.
صلاح الوديع السارد، الشاهد والفاعل في بلورة الذاكرة الجماعية، من خلال اشتغاله ضمن هيئة الإنصاف والمصالحة، تلك التجربة التي منحت لضحايا سنوات الرصاص منصة للبوح، وللمجتمع لحظة مراجعة.وللدولة لحظة اعتراف
ووعد ان لا يتكرر ما حدث
لغة الكتاب، كما لاحظ العديد من الذين اطلعوا عليه تنهل من معين الشعر، لغة شفافة، تكتب الحنين والخسارة، لكنها لا تزرع اليأس. ولعل المداخلات و القصائد التي أُلقيت خلال اللقاء، سواء بصوت الشاعر أو من خلال أداء مؤثر لطالبة شابة، جاءت امتدادا لهذه الروح. كانت القصائد بمثابة ومضات إنسانية، تضيء جوانب من التجربةوتمنحهابعداوجدانيا عميقاا.
اللقاءلم يطغى عليه الطابع التقني او النقدي بقدر ما كان لحظة دفء، لحظة اعتراف جماعي بجراح لم تندمل، لكنها جراح تكمد، بفضل الأدب والشهادة، ومن تأملها دون أن تفتك بالروح. وكان لافتا انفعال صلاح الوديع، الذي بدا كما يعيد، بكل صدق، فتح أبواب ذاكرته دون لتنهمر الذكريات بدون رتوش.
في النهاية، كان اللقاء شهادة على أن الكتابة لا تنقذ فقط صاحبها، بل تنقذ الذاكرة، وتمنح الأمل لجيل قادم بأن الوجع يمكن أن يتحول إلى غرس، وأن الميموزا، لا تزال قادرة على الإزهار في أقسى الظروف.