
ذ . عبد الرحمان العلمي *
حاول “أحدهم” و من خلال مقال نشر على موقع القصر ايس أن يقدم نفسه كمراقب موضوعي ومحلل سياسي حريص على تنقية الساحة من شوائب الفساد لكنه ـ ويا للمفارقة ـ انتهى إلى تكريس منطق التعميم والإدانة المجانية، بل سقط في فخ تصفية الحسابات الشخصية وترويج خطاب يلتقي بشكل غريب مع ما يروجه رئيس المجلس الجماعي محمد السيمو.
1. لا يمكن محاربة الفساد بمنطق “الكل فاسد إلا أنا”
ما طرحه صاحب المقال، رغم تظاهره بالحرص على تخليق الحياة العامة، لا يخرج عن منطق تبسيطي مدمر: الجميع فاسد، الجميع كان في الأغلبية، الجميع بلا مصداقية. هذا النوع من الخطاب لا يساهم في محاربة الفساد، بل يعمم القبح السياسي، ويكرس فقدان الثقة في العمل الجماعي، وهو بالضبط ما يريده الفاسدون الحقيقيون: أن لا يثق الناس في أحد، وأن يصبح كل صوت نقدي فاقدا للشرعية، باستثناء صاحب المقال الذي يمنح لنفسه وحده صك الطهارة
2. التعميم ظلم، وهو في حد ذاته شكل من أشكال الفساد
ليس من المقبول، لا أخلاقيا ولا سياسيا، السقوط في فخ التعميم السهل والمضلل، عبر رمي المعارضة برمتها في سلة واحدة واتهامها مجتمعة بالمشاركة في “تجارب فاسدة” سابقة. فهذا الخطاب لا يستقيم مع منطق الواقع ولا مع طبيعة المشهد السياسي الحالي. فالمعارضة اليوم تضم وجوها جديدة لم يسبق لها أن تولت أي مسؤولية تمثيلية، كما تضم أعضاء اختاروا طريق المعارضة منذ الولاية السابقة، وبقوا على هذا النهج بثبات، دون أن يضعوا أيديهم، في أي مرحلة، في يد محمد السيمو.
أما أولئك الذين كانوا ضمن الأغلبية في الولاية السابقة ثم اختاروا اليوم موقع المعارضة، فلهم كامل الحق في مراجعة مواقفهم وتقييم تجاربهم، وهو أمر مشروع ومطلوب في الممارسة السياسية السليمة. بل إنهم أبانوا عن قدر من الشجاعة السياسية حين اختاروا الاصطفاف في صف النقد والمساءلة، بدل الاستمرار في مواقع التدبير. وهذا القرار لا يمكن أن يفهم أبعاده ووزنه إلا من خبر العمل السياسي وتحمل أعباء المسؤولية التمثيلية.
أما الحديث عن أحد أعضاء المعارضة في الولاية السابقة ممن غير موقعه وتحول إلى أداة في خدمة أجندة محمد السيمو، فهو أمر معلوم ومكشوف للرأي العام، وقد بات اليوم أحد أركان أغلبيته مما يسقط أي محاولة لربط المعارضة الحالية بتصرفاته أو تحميلها وزر اختياراته.
وإن كنت كما تدعي، ان أعضاء المعارضة الحالية متورطون في قضايا فساد تعود إلى الولاية السابقة، فإن الواجب القانوني والسياسي والأخلاقي يفرض عليك التحرك الجاد، لا الاكتفاء بالترويج لخطاب الاتهام المجاني. قدم ملفا للقضاء، وضع الأدلة أمام المؤسسات المختصة، وسأكون أول من يدعمك ويقف إلى جانبك دفاعا عن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما مواصلة اجترار لغة البيانات المهلوسة، فهي لا تليق بمستوى النقاش العمومي، ولا ترقى إلى الفعل السياسي الجاد والمسؤول.
3. لا أحد يملك سلطة إصدار الأحكام القضائية
من الخطير أن يتحدث كاتب المقال عن “الفساد” وكأنه قاض ينطق بأحكام نهائية. لا أحد مهما كان موقعه يملك حق القول إن فلانا فاسد أو متورط ما لم يصدر حكم قضائي نهائي يثبت ذلك. فاتهام الناس بالفساد دون دليل قانوني يدخل في باب القذف والتشهير، وهو ما يعاقب عليه القانون.
المعارضة، حين تتحدث عن اختلالات أو شبهات، فإنها تفعل ذلك في إطار دورها الرقابي، دون إطلاق أحكام قطعية. أما أن يتم تحميلها تهما جزافية على صفحات الفيسبوك، فذاك انزلاق لا يخدم لا الشفافية ولا النزاهة.
4. الساحة السياسية محتاجة إلى من يضيف لا إلى من يحرق
ما نحتاجه اليوم ليس أصواتا تحاول محو الجميع باسم الطهارة، بل نحتاج إلى من يكمل النقص ويقوي المؤسسات ويربي المواطنين على الفعل الجماعي الجاد. منطق الأرض المحروقة الذي تبناه صاحب المقال، والذي لا يرى في المشهد إلا الفساد والانتهازية، هو منطق عدمي يقتل الأمل ويخدم، عن وعي أو غير وعي، مصالح الفساد الحقيقي الذي يتقوى بالفراغ وفقدان الثقة.
5. المعارضة اشتغلت.. والنتائج تتحدث
القول بأن المعارضة لم تقم بدورها هو إما جحود، وإما تجاهل متعمد. فالمعارضة في هذه الولاية قدمت ترافعا حقيقيا، وطرحت ملفات جوهرية، وأثارت قضايا حساسة بأسلوب مؤسساتي، ولم تنجر إلى المهاترات. ويكفي الرجوع إلى محاضر الدورات ومراسلات المعارضة ولجانها و الوقفة الاحتجاجية بباب عمالة الاقليم، ليتبين حجم الاشتغال الجاد والمسؤول، مقارنة بخطاب بعض المنظرين من خارج المؤسسات.
صاحب المقال …
ما كتبته ليس نقدا بناء بل هو تجني مجاني وتحريض بلبوس الطهرانية…وهو قبل كل شيء خدمة مجانية ـ ولو غير مقصودة ـ لمن هو اليوم متهم في قضايا فساد و الذي يمارس السلطة بعيدا عن المحاسبة، ويستعمل امثالك كذريعة لتبرير الإخفاقات والهروب من الرقابة.
وأختم بالرد على ما جاء في نهاية المقال من استشهاد منسوب للدكتور محمد الساسي: “لا يمكن محاربة الفساد بأدوات فاسدة.”
ولنضع الأمور في نصابها: هل يعقل أن الحقوقي واليساري الكبير، الدكتور محمد الساسي، الذي كرس حياته للدفاع عن كرامة الإنسان وحقه في المشاركة السياسية، كان يقصد بـ”الأدوات الفاسدة” الإنسان نفسه؟
هل يعقل أن رمزا من رموز الفكر اليساري بالمغرب، الذي ناضل ضد اختزال الإنسان في الوظيفة أو الاستعمال، ينزل إلى مستوى تشبيه الفاعل السياسي، المعارض قبل أن يكون شيئا آخر بـ”الأداة”؟
القول بذلك ليس فقط إساءة لأعضاء المعارضة بل تجن فج على فكر رجل لا يجهله أحد، وتشويه صريح لمرجعيته الأخلاقية والسياسية.
الدكتور محمد الساسي حين تحدث عن الأدوات الفاسدة، كان يقصد بها التدابير المغشوشة، القوانين الموجهة، والمساطر غير النزيهة، لا الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليتهم في الفضاء العمومي.
وبالتالي، فالاستشهاد المقلوب لا يدين المعارضة في شيئ… بل يدين من استعمل فكر الساسي خارج سياقه، ومن شوه عبارته ليخدم بها خصومة بئيسة على حساب قامة وطنية كبيرة… لقد قولت الرجل ما لم يقل، وتجنيت عليه قبل أن تتجنى على نضال المعارضة.
تنبيه مهم لتصحيح المغالطات:
المتابعة القضائية لرئيس الجماعة ترتبط بشكاية قديمة تقدم بها ثلاثة أشخاص: اثنان من خارج المجلس، والثالث عضو في المعارضة خلال الولاية السابقة وما يزال ضمن المعارضة الحالية… و بالتالي…لا علاقة للمعارضة الحالية كمكون جماعي بهذه المتابعة.
* – مستشار جماعي بجماعة القصر الكبير