
بقلم : لبيب المسعدي
ما طبعت أصابعي على شاشة تطبيق دفتر المذكرات بهاتفي يوم أمس.
الصور اسفله توثق ذكرى جميلة رفقة وجوه طيبة دي مكانه خاصة جدا في قلبي.كان ذلك بداية شهر يناير من سنة 2019 بمناسبة توقيع ديوان شعر للراحلة الغالية الأستاذة سعاد الطود رحمة الله عليها. منذ البارحة وأنا ابحث عن صورة يجانبها وهي توقع ديوانها الشعريّ للحضور بدار الثقافة لكنني للأسف لم أجدها.
كانت المناسبة الأخيرة التي التقي فيها بالفقيدة مباشرة.
بعدها تبادلنا رسائل صوتية ومكالمةهاتفية خاطفة إبان فترة الحجر الصحي حيث كانت عائلة الطود و سليمان وبلمودن من اقوئ المدعمين لمبادرة اطعام المحتاجين مؤمنين مخلصين بالمشاريع الإنسانية التي اطلقنها آنذاك من خلال الراحلة جمعيّة معا لفكّ العزلة عن المسنين
المذكرة:
أستاذتي الغالية، لالة سعاد الحبيبة، صدمت بخبر رحيلك كما المئات من الناس، من عاشروك عن قرب في فترة من الفترات، أو من تقاطعت سبل حياتهم مع مسارك النظيف. أو من شاركوك حمل قبعات النضال أو الشعر أو التدريس. أو غرباء فقط سمعوا عنك كل الخير في مدينة السمعات المتقبلة تقلب الالسن والطباع.
بكيت، نعم بكيت سيدتي، أنا الذي فقدت نعمة البكاء من زمن طويل. ربما تناسب خبر رحيلك المر هذا مع فترة ضعف نفسي أعيشها حاليا أو اكتئاب فصل الشتاء، أو ربما خوف عميق من فقدان أمي أو شوق كبير ثقيل لمن احبهم و أنا بعيد وحيد مغترب. ربما، لكنني بكيت. بكيت وأنا أعود بمذكرتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، تلميذ يشارك نفس طاولة قسمك مع ابنك في الصف الأخير رفقة الأطفال الملتحين قبل الأوان بإعدادية المنصور الذهبي، أو ضيفا رفقة تلة من أصدقاء صديق العمر زيد حول مائدتك الأنيقة بعدما صدقت أننا فعلا راجعنا الدروس بين سطح منزلك و حديقته وصالون الطابق العلوي المقدس.
اكتب مذكرتي اليوم بطعم خاص ولا ادري كيف سيكون شكل الخاتمة. المهم أنا اكتب كانني على كرسي طبيب نفسي افرغ ما أحس به و هذاً يناسبني ومجاني ايضاً.
انفجر الفايسبوك بمئات التعازي وبصورك كنجمة من نجوم المشاهير، مع العلم انك كنت داوما ( بالنسبة لي) الشخص القليل الكلام، الهادئ الطبع و الخجول ايضاً. Introverti أو extraverti لا أدري وًلا يمكن لي ان أجزم في هذا التحليل الجريئ لأن علاقتي بك يحدها احترام ابدي لتلميذ بسيط اتجاه مدرسته الشامخة، وأم صديق قدسيتها كأمي تماماً، رغم تقاطعنا في العمل المدني الذي كنت خير مثال فيه.
علي أن أختم مذكرتي هذا لهذا اليوم. و سأتوجه لكم انتم يا من تحملوا عبئ قراءة تدوينة جدية لشخص اعتدتم فيه السخرية من العالم و حتى من نفسه. تذكر أنت و هي ! حب الناس الحقيقي لك ليس مجرد كلمات ترددها الشفتان، بل هو وشم متلألئ في ذاكرة الأيام، يحمل رقة لمستك، وصدق انحناءك لقضاياهم و وفائك لمسؤليتك المهنية. كل لحظة عشتها بإيثار تتحول إلى نبض في قلوب من أثرت فيهم، تخطر كنسيم على أفكارهم كلما مروا بمكان، أو تذكروا صفحة من حكاياتك أو موقفا من مواقفك.
ستبقى ذكراك لآلة سعاد كعبير الياسمين في أزقة الوجود، حتى إذا رحلت جسدا، فالقلب الذي يبذر الخير لا يموت، بل ينبت مثل شجرة معمّرة، تظلّل بأغصانها أسرار الآخرين، وتروي بظلالها ظمأ الغريب. كل كلمة صادقة قلتها ستصير حكمة تـُتلى، وكل دمعة مسحتها ستبقي دفئها في زاوية ما من دنياهم.
لن تكون الذكرى الطيبة إلا مرآة لروحك التي لا تعرف الفناء. سيروون عنك كما يروى عن الأنهار الخالدة: لم تجف، لأنها كانت تمضي إلى البحر بلا تكلف. وسيبقى سؤالهم: “كيف أمكن لقلب واحد أن يحتوي كل هذا الود المتفق عليا بالإجماع ؟ وستكون الإجابة حكاية تروى في سماء العشق الإنساني: لأنك احببت بسهولة الماء، وعشت ببساطة النجوم.
فارحلي مطمئنة، فالذين أحببتهم سيحملون نورك كمشعل في دربهم، وسيكملون به طريقا لن تنتهي حافته. لأن الوداع ليس نهاية، بل هو وعد بأن الجميل من الأعمال لا يغادر، بل يعانق
الزمن، ويصنع من الفراق وصلة أبدية.