
ذ . ادريس حيدر
و عند اضطراب الجو بسبب العواصف الهوجاء و الأمطار الطوفانية ، تظل عائلات الصيادين على رصيف الميناء أو على ضفاف البحر ، في انتظارهم ، ساعات و أيام و الخوف يسكنهم خوفا علىً مصيرهم .
و كان كلما بدا قاربهم في الظهور في الأفق ، إلا و علت و ارتفعت أصوات أفراد هذه العائلات ، عاليا و صاحبتها زغاريد الفرحة ، و كانوا يرددون :
” اللهم صلي عليك يا رسول الله ”
و بعد حلولهم باليابسة ، كان ينظم احتفال رمزي صغير ، تحييه عائلات الصيادين العائدين إلى الحياة .
و كان يظهر و من بعيد :” احميدو البحار” و هو في طليعتهم ، مبتسما و فرحا كما العادة في مثل هذه الظروف الصعبة .
كانت ساكنة تلك المدينة الصغيرة و عائلات الصيادين ، قد اعتادت على مثل هذه اللحظات الصعبة ، حيث يكون البحر هائجا ، و العواصف تعوي و تهب من كل مكان ، فيما الصيادون على ألواح مهترئة ، يصارعون قساوة الطبيعة من أجل البقاء على قيد الحياة .
و في إحدى أيام يناير الباردة ، حيث كانت درجة الحرارة منخفضة جدا ، استيقظ ” احميدو البحار” من نومه باكرا ، و صلى في بيته صلاة الفجر كعادته ، و توجه بعد ذلك إلى ميناء المدينة الصغير ، و كان على موعد مع رفاقه الثلاثة ، و الذين سيبحرون معه ، إلى عرض البحر بأمل العودة بصيد كثيف و كثير .
غادر الصيادون الميناء على متن قارب قديم و مهترئ بعض الشيء ، لعلهم يحصلون على بعض الرزق لإعالة ذويهم و لو ليومين فقط .
كان هؤلاء الرفاق هم :
* ا “لمختار / الشبكة” : و هو شاب في عمر الزهور ، إذ يبلغ :26 سنة .
كان شابا هادئا ، خدوما ، و يحكي أقاربه ، أنه انقطع عن الدراسة في وقت مبكر و اختار مهنة أبيه ، الذي كان يملكً قاربا صغيرا للصيد ، و كان قد بدأ يرافق أباه و هو بعد طفل صغير .
* ” عبد السلام الروبيو ” : كان رجلا ثلاثينيا ، يمتهن الصيد بواسطة القارب منذ مدة ليست بالقصيرة .
كان يُعاني ظروفا مادية صعبة ، و هو الأخ الأكبر سنا لخمسة إخوة ، و كان يحظى برعاية جدته “خدوج” التي كان يقطن ببيتها بمعية باقي إخوته .
كان يحبها بل و يعشقها لأنها هي من ربته و أحسنت إليه .
* ” محمد الأعور ” : كان في عقده الرابع ، ذميم الخلقة ، كانت تعلو وجهه حفر صغيرة بسبب إصابته بمرض ” الجذري” في طفولته ، يربي و يحضن بناته الثلاث ، و اللائي كُنَّ في سن الزواج و كانت تسكن معهم جميعا أمه العجوز .
يتبع…