نبش في الذاكرة

31 أكتوبر 2024
Oplus_0

ذة. حميحم مليكة: 
أتذكر كالبارحة هاته الأحدات وإن كانت الصورة ضبابية بعض الشيء؛ كان ذلك في السبعينات أو ما يعرف بسنوات الجمر و الرصاص ، حين اعتقل خالي الغالي مع رفاقه الاشتراكيين ، وكان الحدت رهيبا خيم حزنه على كل العائلة وعلى كل سكان القصر الكبير، وقد كنت أدرس في قسم الثالتة إعدادي في الثانوية المحمدية، وكانت تدرس معي في الفصل تلميذة إسمها فاطمة كريز ، و كنا صديقتين مقربتين ، نتشارك همومنا ونحس ببعضنا البعض ، كانت ترى حزني الشديد على خالي وتتألم معي ، وفي أحد الأيام وبعد نهاية الحصة اقتربت مني صديقتي ، وقالت لي هل ترغبين في رؤية خالك ، قلت لها مستغربة وأين أراه وهو معتقل عند الشرطة ، قالت لي تعالي معي وسآخدك إليه ، وبالفعل ذهبنا معا إلى مركز الشرطة القديم الذي كان يوجد قبالة متجر الحاج الطرونباطي ، دخلنا المركز معا ولم يوقفها الشرطي الواقف في الباب ، فقد كان دخولها وخروجها من المركز يوميا أمرا بديهيا ، و كيف لا وهي إبنة الكاويني ألف رحمة ونور عليه ، الشرطي الشهم المحبوب عند كل القصراويين ، وبالفعل صعدنا إلى الطابق الأول عبر درجها الضيق المرعب ووقفنا امام غرفة كبيرة بابها مفتوح ، كان يقف شرطي امامها ، و فجأة وجدت نفسي وجها لوجه مع شخصيات معروفة في المدينة يجلسون على الكراسي وكلهم يلبسون الجلاليب ، وقفز خالي من على الكرسي صاءحا كيف أتيت إلى هنا ؟؟؟؟ قلت له صديقتي هي التي أحضرتني ، فأخذني جانبا وقال لي في أذني ، قولي لجدتك وأمك أن تأخذا جميع الكتب والأوراق الموجودة بالمنزل إلى منزلكم اليوم ، لأن الشرطة ستأتي لا محالة للتفتيش في أقرب فرصة؛
فقمت بالمهمة على أحسن وجه ، و نقلت الرسالة بحذافيرها الى جدتي و أمي ، وبالفعل جاء زوار الليل كما كان يقال لهم أنذاك إلى منزل جدي ، و قد كان جدي الفقيه أحمد البوطي رحمة الله عليه معتكفا في غرفته يقرأ اللطيف ولايكلم أحدا ، فتشت الشرطة في كل مكان ولم يعثروا على أي شيء ، وقد عرفت فيما بعد ، وكما اختبرت بنفسي بأن هؤلاء المناضلين وهم من خيرة رجال القصر الكبير ،كانوا يعاملون معاملة خاصة من طرف الشرطة لأن المدينة كلها كانت تكن لهم الحب والاحترام ، وعلى ذكر اللطيف كانت أمي تروي لنا انه في إحدى المرات من سنوات الجمر والرصاص تم القبض على خالي السي محمد البوطي وعلى خالي عبد السلام البوطي وعلى خال امي الحاج أحمد البوطي وكانت من الصدمات التي أصابت العاءلة فكان جدي رحمة الله عليه يذهب إلى مركز الشرطة ويجلس على عتبة محل الحاج الطرنباطي ويبقى لساعات وهو شاخص الى السماء يقرأ اللطيف ويتلو أياتا من القرآن الكريم ولم يوقف جدي عن مهمته إلا الفيضانات فجاء الأمر باخلاء سبيل كل المعتقلين السياسيين حيت امتلأ المركز بالمياه حتى وصل للركب ، و كانت محنة حقيقية حفرت في الذاكرة .
وكان خالي ألف رحمة و نور عليه يقول لي كلما استرجعنا شريط الذكريات وبالذات هذه الحكاية ، سبحان الله يضع سره في أضعف خلقه، من كان يقول أنك وانت الصغيرة وصديقتك البريئة تصنعان الحدث بكل جرأة و تحدي ؛
سبحان الله هناك أشخاص يبصمون حياتنا ويؤثرون فيها ويستحقون الحياة الجميلة ، وإن كانت صديقتي الأستاذة فاطمة كريز رحمة الله عليها استعجلت الرحيل باكرا .

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading