المثقف المغلوب

1 نوفمبر 2024

ذ : أحمد العبودي : 

سبينوزا، كافكا، باشلار، هيدجر، فوكو، برتراند راسل، رولاند بارت، دريدا… وغيرها من أسماء تدوي برنينها في أذن القارىء العربي التي لم تتعود كثيرا رطانة الصورة الصوتية لمثل هذه الأسماء ذات الجاذبية الضاغطة لدى فئة من القراء المولعين بها. فقد تثير انتباهك مقالة قصيرة تزدحم فيها أسماء كُتاب من الغرب ازدحاما يضيق به حيز المقالة، يشرع صاحب المقالة في تحليل يسير بلغة عربية تحاول أن تظهر حداثيةً، يناقش أو يستعرض صاحب المقالة بعض قضايا النقد الأدبي والإبداعات السردية وربما يثير مرة ثانية قضايا ذات طابع فكري. الجميل في الأمر أن بعض هؤلاء يكتبون بلغة عربية جيدة لا شك أنهم تعلموها من مصادرها حتى أتقنوها أو كادوا، ولا شك أيضا أن تلك الكتب هي المحضن الأول لتكوين هؤلاء الشباب، ومع ذلك لا تجد أثرا لذكر رواد الثقافة الأم الذين تعلموا منهم العربية ولو كان الموضوع ذا صلة بالتراث العربي، فلا تعثر في المقالة على ذكر الجاحظ ولا الجرجاني ولا الباقلاني ولا أبي تمام ولا المتنبي ولا أبي العلاء ولا عبد الرحمن المازني ولا العقاد ولا جبران ولا طه حسين ولا حسن الترابي ولا محمد عمارة ولا عماد الدين خليل ولا العروي ولا الجابري، إلا قليلا،
إن الإعجاب بالأسماء الغربية وترديدها كل حين وإقحامها قسرا من غير لزوم لا يعني في حقيقة الأمر غير إعلان عن شعور المغلوب بضعفه وولعه بالغالب كما قرر ابن خلدون، أو قل على الأصح : إنها محاولة من ذوي هذه النزعة لإشعار القارئ أن تكوينهم حديث وأنهم في ذلك على خطى الأسماء الغربية الكبيرة التي تصدع الأذن العربية وتشغلها بنفسها.
أحيانا تجد منهم من يحرص على كتابة تلك الأسماء بالحروف اللاتينية تماما كما تكتب من غير خطأ، لكن ذلك لا يعني مطلقا أنهم اطلعوا على كتابات هؤلاء باللغة الأصلية التي ألفوا بها، بل كثير منهم لا يتقن لا فرنسية ولا إنجليزية وإنما يكون نقر الأسماء باللاتينية مجرد محاولة إيهام مكشوفة. ومن المفارقات الثقافية أننا لا يمكن أن نتصور الأمر يحدث معكوسا عند مثقفي الغرب، فهل الأمر عند أصحابنا بمثابة تصريح عن براءة من الثقافة العربية التقليدية أم هو بوح عن منزع فكري معلوم ؟! أظن أن القارئ المتمرس للنص المكتوب لا يخفى عليه ما يضمره الكاتب من نوايا وما يصبو إليه من أغراض، فلاشيء ـ كما قالوا ـ خارج النص.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading