مخيماتنا ومخيمات غ-زة”

26 يوليو 2024
Oplus_0
اد: محمد عز الدين البدوي: 
بعد جولة من المشاورات واللقاءات والمباحثات مع سيدة البيت قررنا أن نبعث بإبننا وسيم للمشاركة في مخيم صيفي، وكأن ما قمت به من مناورات ينفع ويصلح أن يبعث أحدنا بحبيبه وقرة عينه للمشاركة في غزوة بدر الكبرى هناك في عسقلان، وكأني أتأمل يومها أم الصحابي الجليل زيد بن ثابث وأمه تحفزه للمشاركة في غزوة بدر الكبرى، وقد صحبه أهله معهم إلى غزوة بدر، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أقرانه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شاكراً وكأنه يريد الاعتذار، ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إليه وهو يحمل حربة ويستعرض بها.
وافقت هذه المرة أم وسيم، ولكن بشروط قد تكون أكثر صرامة من شروط صلح الحديبية، ولأني أحسن التفاوض والترافع كأني أقتدي بالصحابي الجليل سهيل بن عمرو قبل إسلامه في حسم جدل شروط صلح الحديبية، ورضي الله عن الخليفة الفاروق الذي همَّ به عندما وقع أسيرا  بأيدي المسلمين في غزوة بدر حيث اقترب عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم “.. فأجابه الرسول العظيم: “كلا يا عمر.. لا أمثل بأحد، فيمثل الله بي، وإن كنت نبيا”.. ! ثم أدنى عمر منه وقال عليه السلام: “يا عمر.. لعل سهيلا غدا يقف موقفا يسرّك “.. !
كان الشرط الأول : ألا يسافر السيد وسيم مع أقرانه ورفقائه وأترابه في حافلة النقل العمومي، وإنما نصحبه  معنا في رحلة إلى أقصى الشمال حيث الوجهة التي اختارها منظموا هذا المخيم، ولأني كنت حريصا على مشاركة ابني في هذا المخيم فقد وافقت على الفور، كما وافق الحبيب المصطفى على البنود المجحفة في صلح الحديبية، وإن كانت المسافة بين موطن سكنانا والوجهة المختارة للاصطياف تزيد عن الأربع ساعات.
وحتى أفوز بالصفقة طلبت منها مباشرة التصريح دون التلميح وبعيدا عن اللف والدوران عن الشرط الثاني، وقبل أن تكمل أيضا، وافقت: قالت : “نقيم هناك ثلاثا ونرجع في اليوم الرابع، حتى إذا أمن وسيم وارتاح وأنس واستأنس رجعنا”
قلت: وقد سرح بي الخيال هذا ابني قصد الاصطياف تخاف عليه أمه من لهيب الشمس المحرقة نهارا ومن قرِّ وخز وعض البعوض ليلا، تخاف عليه من ألا تعجبه بعض أصناف الطعام، تخاف عليه قسوة بعض المشرفين والمربِّيين ، تخاف وتخاف، وأخاف أنا معها أيضا .
فكيف بتلك الأمهات وآلاف الأطفال يقصفون ويحرقون ويقتلون بدم بارد وتبتر أطرافهم ، وتجدع أنوفهم وتبقر بطونهم، وتفقأ عيونهم ، وتقطع آذانهم، وتهشم جماجمهم، وتكسر عظامهم.
سرح بي الخيال وألفيتُني أتأمل الأمهات التكالى وهن شاهدات على أبشع مجزرة ترتكب في تاريخ البشرية، وكأن هذه الهمجية لم ترى الدنيا قبلها ولا بعدها.
تجاوز عدد قتلى الأطفال وحدهم خمسة عشرة ألفا، والقائمة في ارتفاع يوما بعد يوم، والعالم المنافق يقف متفرجا وهو الذي صدَّعَ رؤوسنا وكذب علينا بشعاراته الزائفة لعقود من الزمن، كان يوهمنا أنه يهتم لحقوق الحيوان فأضحى العالم المنافق بزعامة الشيطان الأكبر ناصرا ومؤيدا لهذه المجزرة البشعة.
أما العالم العربي المُطبِّع والمضَبَّع والمركَّع والمكبل والمسلسل والمخنع الذليل الحقير المحقر مشغول ب : موازين وفوازير ودوري أوروبا، والألعاب الأولمبية، والمسلسلات والأفلام والتفاهات…….
فقدت السيطرة في خيالي وكدت أجن من هول ما يقع، ذرفت دموعا أبرأ بها إلى الله، أشكو بها تقصيري عن نصرة إخواني الذين لا أملك سوى التبثل والدعاء لهم في جوف الليل وأطراف النهار أن يجعل لهم المولى فرجا قريبا ومخرجا، وقد ضاقت بهم السبل وخذلهم القريب قبل البعيد.
 مزق الحزن أحشائي وأنا أتفرس ابني قبل وداعه وهو مقبل فرح مسرور عند باب المخيم، أحببت ألا أظهر بمظهر الحزين الكئيب عنده، فأخفيت عنه بعضا من مصابي، تركته يقتحم تجربة الانخراط في هذا المخيم لعله يربط علاقات جديدة، ويكتشف مهارات، تركته يعيش حياة مغايرة عن تلك التى يحياها معنا في البيت، يستكشف عالما آخر ، يحاول أن يتأقلم مع بيئة جديدة بعيدا عن حضن أمه الدافئ ورقابتي الصارمة.
اتصلت به بعد يومين تحقيقا للشرط الثالث الذي وفيت به مع سيدة البيت أم وسيم، فأخبرني: أنه في ورشة تدريب عن كيفية الوضوء، وأجابني مبتهجا مسرورا أنه نجح في هذه الورشة، وهو من المتميزين المتقنين للوضوء.
قلت: بداية الغيث، أن يشجع الصغار على إتقان الوضوء والصلاة في مثل هذه المحطات الصيفية.
شكرت صاحبي المشرف المربي عبد الإلاه على اختياره مثل هذه الأنشطة التعليمية التعلمية، بموازاة مع الأنشطة الترفيهية الإعتيادية .
حتى إذا انقضت الأيام الأربعة رجعنا لبيتنا، ونحن نردد شتان بين مخيمنا ومخيماتهم.
وإنه لجهاد نصر أو است -شهاد.

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading