مشهد حزين (01)

12 يوليو 2024

ذ. ادريس حيدر

كان جميع الأهل و الأصدقاء في انتظار وصول جثمان الميت المنقول في ثابوت إلى مأواه الأخير الذي كان من اختياره .
و الذي لم يكن إلا مسقط رأسه و أبيه و جده . و هي قرية تنام على ضفة بحيرة تصب فيه مياه نهر “لوكوس”.
كانت تطل على فضاء جميل ، حيث تنتصب أشجار الزيتون الخضراء ، و تمتد بحيرة السد الزرقاء لمساحة شاسعة .
حلت سيارة نقل الأموات بعين المكان ، تنفيذا لوصية الهالك الأخيرة ، حيث رغب في أن يدفن في مقبرة القرية .
هذه الأخيرة كانت معلقة في إحدى منحدراتها .
كان الجو صحوا ، و الحرارة مرتفعة بعض الشيء ، و بين الفينة و الأخرى كانت تهب رياح خفيفة شرقية ، مما كان يتسبب في ارتفاع و انتشار بعض الغبار في الفضاء و بالتالي كان يعيق التنفس للحاضرين .
وقف أفراد أسرة الميت هناك ، في انتظار إنزال جثته ، و كان أغلبهم في ذهول كبير .
فجأة حل بعين المكان أخوه البكر ، كان يستوي على كرسي متحرك ، مهمل الذقن ، شعر رأسه أشيب بجسد وهن ، و يضع نظارة سوداء على عينيه ، ربما ليخبئ الدموع التي كانت تنهمر حزنا على فراق أخيه ، كانت إحدى بناته تدفع كرسيه و تساعده على التحرك في كل الاتجاهات ، إلا في اتجاه المقبرة ، التي كانت توجد في أعلى القرية التي كانت تقع فوق تل عال ، و بالتالي كان يصعب عليه الوصول إليها بكرسيه المتحرك .
توقفت سيارة سوداء على مشارف الدوار ، و نزل منها أخ آخر للهالك و كان يكبر هذا الأخير ببضع سنين ، و عرف عنه منذ زمان و خاصة في الأوساط الطلابية و التعليمية و غيرها تكوينه المتين ، و عُدَّ مثقفا متمكنا .
ترجل من تلك السيارة التي كان يقودها غيره ، و تحرك ببطئ كبير و بمساعدة أحد أبنائه ، و كان يجد صعوبة في الالتفات ذات اليمين أو اليسار أو الخلف أو التحرك بخفة ، كان و كأنه ميت أُخْرِجَ من القبر و حُقِّنَ من أجل الانتعاش و الحضور في ذلك المأتم .
في الزوايا المختلفة ، تسمر المرضى من الحضور و المتقدمين في السن ، متأملين و متألمين على مصير الهالك الذي لم يعمر طويلا ، و كذا على الموت الذي ينتظرهم و الذي اقترب منهم .

يتبع …

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading