
ذ. ادريس حيدر
كان جميع الأهل و الأصدقاء في انتظار وصول جثمان الميت المنقول في ثابوت إلى مأواه الأخير الذي كان من اختياره .
و الذي لم يكن إلا مسقط رأسه و أبيه و جده . و هي قرية تنام على ضفة بحيرة تصب فيه مياه نهر “لوكوس”.
كانت تطل على فضاء جميل ، حيث تنتصب أشجار الزيتون الخضراء ، و تمتد بحيرة السد الزرقاء لمساحة شاسعة .
حلت سيارة نقل الأموات بعين المكان ، تنفيذا لوصية الهالك الأخيرة ، حيث رغب في أن يدفن في مقبرة القرية .
هذه الأخيرة كانت معلقة في إحدى منحدراتها .
كان الجو صحوا ، و الحرارة مرتفعة بعض الشيء ، و بين الفينة و الأخرى كانت تهب رياح خفيفة شرقية ، مما كان يتسبب في ارتفاع و انتشار بعض الغبار في الفضاء و بالتالي كان يعيق التنفس للحاضرين .
وقف أفراد أسرة الميت هناك ، في انتظار إنزال جثته ، و كان أغلبهم في ذهول كبير .
فجأة حل بعين المكان أخوه البكر ، كان يستوي على كرسي متحرك ، مهمل الذقن ، شعر رأسه أشيب بجسد وهن ، و يضع نظارة سوداء على عينيه ، ربما ليخبئ الدموع التي كانت تنهمر حزنا على فراق أخيه ، كانت إحدى بناته تدفع كرسيه و تساعده على التحرك في كل الاتجاهات ، إلا في اتجاه المقبرة ، التي كانت توجد في أعلى القرية التي كانت تقع فوق تل عال ، و بالتالي كان يصعب عليه الوصول إليها بكرسيه المتحرك .
توقفت سيارة سوداء على مشارف الدوار ، و نزل منها أخ آخر للهالك و كان يكبر هذا الأخير ببضع سنين ، و عرف عنه منذ زمان و خاصة في الأوساط الطلابية و التعليمية و غيرها تكوينه المتين ، و عُدَّ مثقفا متمكنا .
ترجل من تلك السيارة التي كان يقودها غيره ، و تحرك ببطئ كبير و بمساعدة أحد أبنائه ، و كان يجد صعوبة في الالتفات ذات اليمين أو اليسار أو الخلف أو التحرك بخفة ، كان و كأنه ميت أُخْرِجَ من القبر و حُقِّنَ من أجل الانتعاش و الحضور في ذلك المأتم .
في الزوايا المختلفة ، تسمر المرضى من الحضور و المتقدمين في السن ، متأملين و متألمين على مصير الهالك الذي لم يعمر طويلا ، و كذا على الموت الذي ينتظرهم و الذي اقترب منهم .
يتبع …