بقلم :ربيع الطاهري
يقول الله تعالى في محكم كتابه “وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” صدق الله العلي العظيم .
إن ما شهده هذا الأسبوع إقليم العرائش من حرائق للغابات وخاصة ما عرفته مناطقنا الجبلية و غطاؤنا الغابوي المحادي لمدينة القصر الكبير …و الذي خلف أضرارا بليغة انعكست سلبا على الوضع الاجتماعي و الإقتصادي لساكنة عدد من المداشر بكل من جماعة بوجديان و القلة ،واثرت على طبيعة الزراعة المعاشية وتربية الأغنام و الماعز و النحل كمصادر العيش الكريم للقاطنين بتلك المناطق ،و أمام تأخر السلطات العمومية و الوقاية المدنية و القوات المساعدة في تقديم الدعم اللوجستيكي و القيام بعمليات للإجلاء من لهيب النيران، و كما هو المعتاد و بتلقائية من ساكنة القصر الكبير وفعالياتها المدنية سواء بشكل فردي أو منظم هرعوا إلى تقديم ما يلزم من الدعم و المساندة في ظل قيم التكافل و التأزر كما تربينا عليها في قيمنا الإسلامية و الكونية …،وهب إلى هذا العمل التطوعي النبيل و انخرط في هذا الفعل الإيجابي كذلك قصراوى العالم بالمهجر بمبادرات كما هو مألوف في كل الأزمات،ترفع لهم القبعات، و ننحنى إجلالا لما يقومون به دوما …
وبشكل لا يقل أهمية كان لزاما أن يكون للفاعل السياسي حضور في مثل هكذا أزمات وبحس المسؤولية و من منطلق رابطة التعاقد الشعبي كممثلي الأمة سواء في المجالس المنتخبة أو بالقبة التشريعية باعتبار أن الصوت هو ذاك التعاقد الواجب صونه وصيانته و احترامه.
كنت ومازلت أقول دوما في الأزمات و الكوارث؛ على السياسي أن يتحمل مسؤوليته و أن يكون فاعلا و في الصفوف الأمامية دوما وفي خدمة المواطن ،وليس استغلال المعاناة،والركوب على الاحزان و المأسي.
وعليه أعتبر حضور البرلمانيين بإقليم العرائش من منطلق ذلك الميثاق التعاقدي وكممثلي الإقليم هو واجب، والإنخراط في المبادرات إلى جانب باقي الفاعلين المدنيين هو تلك الحلقة و الرابط الذي ينظر إليه المواطن عند الأزمات و الكوارث وليس بعد انتهائها أو انجلائها، كما أنه يجب على كل فرد في المجتمع من موقعه ومسؤوليته وبحسب نطاق تدخله و محدوديته الإطلاع بذاك الواجب القيمي الإنساني .
ومن هنا فإن دور ممثلي الأمة لا ينحصر في أخذ الصور من عدمها لأنه سلوك اعتبره نابع من قناعات وأخلاق كل فرد ، وهو كذلك يمكن فهمه من خلال طبيعة ممارسة الفاعلين للفعل السياسي و القدرة على التأثير في المشهد السياسي بالإقليم. إن الأمر في اعتقادي أعمق من هذا التراشق من خلف التدوينات، بل يتجاوزه إلى طرح التساؤلات الجوهرية المشروعة في هذه الظرفية الإنسانية الحارقة وهي :
كيف يمكن تقديم الدعم و المساهمة الآنية للمتضررين من هذه الكارثة؟ وما هي مفاتيح الضغط والتحسيس على المسؤول الحكومي ليتحمل مسؤوليته تجاه المتضررين من خلال التعجيل بتعويض الخسائر ، وتسخير كل الإمكانيات اللوجستيكية و المادية لإعادة الإعمار و تأهيل و بعث الحياة لتلك المناطق التي أكلتها النيران ؟!، ولعلنا لا نجازف إن قلنا أن تلك المناطق المتضررة هي فعلا أصبحت مناطق منكوبة.
ثم كيف يمكن حفظ كرامة هذا الإنسان الجبلي، الذي يعيش على الزراعة المعاشية و تربية الماعز و الأغنام و النحل والأبقار لتحقيق ذاك الإستقرار المادي ولو نسبيا ؟!!!.
أمام هذا الوضع الكارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أناشد كل سياسي أن ينأى بنفسه عن التراشقات المجانية التي لا معنى لها في ظل الكوارث و الأزمات ، بل هي إهانة لحالة وظرفية المقهورين و المتضررين البسطاء من ساكنة تلك المناطق . إن المتضرر لا ينظر الى تلك التدوينات ولا إلى الصور المتداولة، بقدر ما ينظر لمن يقدم له الحلول التنموية المستدامة على أرض الواقع.
قد تنجلي الكارثة وتبعاتها بحلول آنية، و لن أقول “ترقيعية” احتراما وتقديرا لكل المبادرات ، ولكن ما سيبقى راسخا في ذاكرة ووجدان المتضررين هو شريط المعاناة وطرق المواكبة و المصاحبة وبعث الحياة في تلك المداشر و القرى المتضررة،
وهو بذلك أبلغ و أعمق هدف يناله السياسي كمنجز يمكن أن يستثمره لاحقا إن على المستوى الترابي أو التشريعي بحسب موقع المسؤولية الإنتدابية.
فهل سياسيونا و نخبنا المثقفة، وبرلمانيونا ومنتخبينا ،
ومجلسنا الإقليمي و مجلس جهتنا ،قادرون على الفعل في أرض الواقع أولا، ثم الترافع لتحقيق هدف الإلتقائية مع الحكومة لتنزيل مشاريع تنموية مستدامة تعيد تأهيل تلك المناطق المنكوبة، وتعيد لذاك الإنسان الجبلي البسيط كرامته وسبل عيش كريم.
هنا أقول، واقتباسا من لغة القرآن الكريم، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) كل من موقعه لتحقيق هذا الهدف المنشود بمناطقنا الجبلية و على مستوى تراب إقليم العرائش عامة .