الطفل الذي كنته ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
********************
الحديث عن الطفل الذي كنته ، كان كل يوم في شأن .
مرة يعْفِسُ دون هوادة عن مسودة عفيفة من يوميات الحياة، لا تتلاءم ونفسيته، فيحاول مسحها من ذاكرته ، حتى وإن كانت لها علائق مع الكائنات .
يفضل قطع مسافات تحت القيظ.
لم يكن كالح الوجه ، ولا كئيب الملامح.
كان كثير المبالاة والإمعان في ملامح كبر السن والمعاقين والغلبة ، حتى أنه كان يتصدق بفرنكاته، ويتجاهل أن تلك الفرنكات خصيصة لشراء أدوات مدرسية ، والتي كانت تغضب المعلم ، فيعد له مسطرة خشبية لا ترحم .
في سنه المبكر فكر أن يجالس على قارعة الطرقات المهمشين المعرضين الحدثان ، ويستمع الى سبب مهانتهم وتهميشهم ، ويتفقد من ليس لهم مورد رزق سوى عطف الله .
وصل الخبر الى والده ، فنهاه عن فعله .. لكن كان رد الطفل الذي كنته ، إذ قال لأبيه :ولمه تغضب والدتي حين يطرق بابنا محتاج أو متسول ، فتسرع وتتصدق بنصيبك من الحريرة والثمر وتكتفي بشرب الماء وتنهيه بالحمدلة وأنت صائم ، على الأقل كنت سمعت نصيحة والدتي ، تتصدق بنصفه وتحتفظ بالباقي لنفسك ؟ أنا كذلك اخترت أن أكون صديق الفقراء مثلك !!.
هكذا مضى الطفل الذي كنته يكْدَح في عمله بين الدراسة وقراءة الصحف بالمجان التي كان صديقي النادل يحتفظ بها له ، وكلما اقبل على المقهى يخاطبه : يعمر ( مْسح الطابل وزيد شْوِيَّ فرَّدْيو وجيب معَكْ كاس الماء ومتنساش الجريدة ) .
كان إقبال الطفل الذي كنته مدمن على قراءة المنفلوطي ومحمود تيمور والعقاد وتوفيق الحكيم ، وقراءة عمود قصصي كل جمعة يكتبها المرحوم محمد زفزاف في صحيفة المحرر، من هناك بدأت تنمو بداخله رغبة في الكتابة ، ومن خلال ما جمعه من قارعة الطريق ومن حلقات المسحوقين ، والتي لم تغب عن عن حدقات عينيه ، إنتهت به الى المهجر لتنفجر اعماله الإبداعية ، منها :
مكاشفة الرئيس رواية
الاسترخاء معها قصص
أحلام فوق النعش رواية
ألإسعاف الأخير رواية
رحلة مع زفزاف
وغيرها كثير .