الأستاذة: لطيفة حمانو
يحتفل العالم بعيد الأم في الحادي والعشرين من مارس كل سنة، وهو اليوم الذي يوافق بداية فصل الربيع، فالأم فصل ربيع دائم الأزهار، وافر الأطيار مهما بلغت من الكبر عتيا فهي تظل حديقة غناء، وأرضا خصبة معطاءة، ونهرا يفيض ماء عذبا، زلالا لا ينضب..
الأم فصل ربيع دائم لا يدركه صيف ولا خريف فهي سماء صافية، لا تعكر صفوها الغيوم، متلألئة لا تغيب عنها النجوم …
الأم فصل ربيع دائم، عصفورة تشدو بترانيم العطاء وتعزف ألحان الحب والوفاء…
يتزامن عيد الأم أيضا مع اليوم العالمي للشعر الذي أعلنته منظمة اليونسكو سنة 1999، وكأن الأم قصيدة شعر موزون، مقفى تدل على معاني الحب والسلام والأمان….
الأم قصيدة شعر صادق نابع من شغاف القلب لا علاقة لها بالقصائد الرديئة التي ينصب أصحابها الفاعل ويرفعون المفعول به …ويذكرون في أشعارهم أمورا سطحية من قبيل الريجيم ودمية باربي …
الأم قصيدة شعر عميق تعانق هموم أبنائها وتهتم لشأنهم وتنفتح كذلك على قضايا وطنها وقضايا أمتها …
ارتبط عيد الأم في أذهاننا بأغنية “ست الحبايب “،الفايزة أحمد والتي كتبها حسين السيد ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب حيث كانت الحياة بالأبيض والأسود حياة هادئة بسيطة و كانت وظيفة الأم تقتصر على العناية بالأبناء والبيت فقط ،ومع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها المجتمع العربي والمغربي وخروج المرأة للعمل جنبا إلى جنب مع الرجل تراكمت المسؤوليات على كاهل الأم وزاوجت بين العمل داخل البيت وخارجه مما تطلب منها مجهودا بدنيا وعقليا أكثر ،فتجدها أول من يستيقظ في البيت لتعد الإفطار وتحضر وجبة الغذاء وتنصرف لعملها في أي ميدان اختارته حيث تقضي وقت دوامها بين مطرقة العمل وسندان التفكير ،التفكير في بيتها وشؤونه الدقيقة التي لا يلم بها سواها …في المساء تكون الأم هي اخر من يأوي لفراشها بعدما أشرفت على تتبع أبنائها ، نظام بيتها ،ولا يغمض لها جفن حتى تكون قد خططت لما ستقوم به يوم الغد .
مع الثورة الرقمية التي حولت العالم إلى قربة صغيرة بتعبير الروائي إبراهيم نصر الله والتي كان لها الأثر الكبير في تردي المنظومة القيمية للمجتمع المغربي تعقدت مهمة التربية التي تسعى إليها الأم بسبب تعارضها مع القيم السلبية التي انتشرت في المجتمع، فأصبحت منصات التواصل الاجتماعي تشارك الأم في تربية أبنائها فكثير من أمهات اليوم تشعرن أن زمام الأمور بدأت تنفلت من بين أيديهن بسبب هذا الزخم الهائل من المعلومات والقنوات التي انتشرت انتشار الفطر ،فأصبح الأبناء يقبلون عليها رغم أنها تقدم محتويات تنشر قيما سلبية ،قنوات قلبت موازين الأمور فانفجر التيكتوك والإنستغرام واليوتيوب بفيديوهات مخلة بالحياء مثل قنوات روتيني اليومي ،وقنوات الأغاني الكورية والمسلسلات التركية ،أو القنوات التي تروج للربح السريع عبر امتهان الدعارة أو التجارة الإلكترونية في مواقع للنصب والاحتيال تغرر بالقاصرين ذكورا وإناثا …
مع الثورة التكنولوجية في وسائل الاتصال والتواصل زادت مسؤوليات الأم تعقيدا، فأعلنت الحرب على الهواتف النقالة والحواسيب والألواح الإلكترونية، وفتحت مفاوضات مع أبنائها حول أوقات استعمالها…. مفاوضات تبوء بالفشل في غالب الأحيان، فالأبناء أصبحوا في حالة إدمان لا يحترمون الزمن المخصص لها ويريدون زمنا لا محدودا …
الثورة الرقمية غزت المطبخ المغربي أيضا فالأبناء تأثروا بما يقدمه الإشهار من وجبات سريعة أقبلوا بنهم على استهلاكها، فسعت الأم المغربية للبحث في قنوات الطبخ على منصات اليوتيوب عن طريقة إعداد هذه الوجبات في البيت بدل شرائها رأفة بصحة أبنائها وجيب زوجها …
مع الثورة الرقمية أصبحت الأم تحارب في جبهات متعددة وتستنجد بالدولة لفلترة المحتويات الرقمية وأن تحجب المواقع الإلكترونية التي تروج للرداءة ، كما تستنجد بالمدرسة للقيام بدورها التربوي من خلال تفعيل الأندية التربوية، وتغيير المناهج والبرامج لتكون منسجمة مع التحولات التي يشهدها المجتمع، وتستنجد بالمجتمع ليقف في وجه هذا الطوفان الذي سيأتي على الأخضر واليابس إلا من ركب سفينة القيم والأخلاق الفاضلة …وقبل أن تستنجد بهؤلاء تتضرع لله أن يحمي أبنائها من شرور هذا الزمن…
وسط كل هذه التغيرات المتسارعة التي فرضتها العولمة والنظام العالمي الثلاثي القطب، وأزمة كورونا نجد الأمهات صامدات، صابرات تسعين بكل ما أوتين من قوة إلى السهر على تربية أبنائهن والوصول بهم إلى بر الأمان.
فتحية لكل الأمهات في أرجاء المعمور كل عام وأنتن فصل ربيع دائم ينضح بالحب والجمال ….