شيء من الهلوسة ” أشياء من لعل “

16 فبراير 2022

سمية نخشى
يشرفني ان أكون عاشقة للغة الضاد ، متيمة بجمال مبانيها و بمحاسن معانيها، مفتتنة بصدفات بحارها و درر محيطاتها التي اكتشفتها مبكرا مع هدايا والدي رحمه الله، فأول هدية تلقيتها منه عند نجاحي في امتحان شهادة الدروس الإبتدائية كانت المجموعة الكاملة لحكايات ” الف ليلة و ليلة” باجزائها الأربعة، و بعض قصص و روايات يوسف السباعي ، انا ، ابنة العشر سنوات آنذاك ، و كنت حينها قد أكملت قراءة مجموعات متعددة من قصص الاطفال.
لأرتمي بعد ذلك في عوالم الروايات التاريخية مع جورجي زيدان ، الواقعية مع نجيب محفوظ و الرومانسية مع إحسان عبد القدوس……
تكونت لغتي، تبلورت شخصيتي و أزهرت أحلامي بين تعابيرها و حكاياها ، فاشتد شغفي بها و انبهاري بآفاقها الرحبة ، الممتدة و المتمنعة احيانا حتى على فقهائها و علمائها، و كم كنت أبتسم مزهوة بعصيان معشوقتي ، و انا أقرأ العبارة التي كان يردد ” سيبويه” متحسرا على انفلات كلمة ” حتى ” من قبضة معارفه اللغوية ، معترفا بعجزه عن فك شيفرتها ، فأسمع صدى عبارته مدويا :” أموت و في نفسي شيء من حتى ” ، التي تظهر أحيانا كحرف جر ، و تعمل حينا آخر كأداة نصب ، و تأتي أيضا بمعنى “كي ” ،أما العبارة المتداولة بين النحويين فهي :” أكلت السمكة حتى رأسها ” بمعنى : أكلت السمكة و رأسها ، فهي تمر بعدة أحوال: حرف جر، حرف عطف ، اداة نصب و ابتدائية لا محل لها من الإعراب .
على منواله، و على بساطة إمكانياتي اللغوية و الفكرية اتجرأ على قول : ” أحيا و أموت و في نفسي أشياء من لعل”
لعل في معجم المعاني الجامع ، كما في المعجم الوسيط هي حرف ناسخ مشبه بالفعل ، من أخوات إن ، ينصب الإسم و يرفع الخبر و يفيد التوقع ، الترجي و ترقب شيء محبوب ، لهذا باستعمالها اترقب الكثير في وطني ، و انتظر مفعولا سحريا لها قد يصنع معجزة في زمن ليس بزمن المعجزات.
فلعلني استفيق يوما و لا تصدمني وسائل الإعلام بفضائحها الارتزاقية أو بأخبارها المفجعة عن ازدراد المحيطات لأجساد شبابنا الذين اختاروا قوارب الموت معتقدين انها طوق نجاتهم من لهيب واقع ما عادوا قادرين على تحمله.او عن إلتهام الآبار لأطياف أطفالنا الذين عبثت بهم أيادي الإهمال و استنزاف المافيات لثروات البلاد ، بما فيها المياه الجوفية.
أو عن إختفاءات في غياهب المجهول لأناس فقدوا صبرهم، توازنهم، رشدهم و عقولهم و إن كان الفيلسوف ” باسكال ” يؤكد أن “الإنسان يفقد كل شيء إلا عقله ” إذ يفقد انسجامه مع الواقع و تختل توازناته بفعل المشاكل و الضغوطات لكنه لا يفقد عقله كملكة، و الدليل على ذلك هو إمكانية استرجاعه بعلاج ناجع ، أناس يحاولون تغيير مصائرهم بعيدا عن أسرهم و أحيانا عن أوطانهم.
لعلني أفاجأ يوما بإعلام رصين ، يتحلى بالشروط الأخلاقية، يلتزم بقواعد المهنة و يحترم ذكاء و كرامة المتلقي ، فلا يعبث بمشاعره ، عواطفه و أحلامه و هو يبث أخبارا مزيفة أو كاذبة أو يروج لمنتوجات رديئة تستهدف ثقافة المواطن ، ذوقه، فكره و قيمه. الإعلام اليوم هو صانع القيم ، فلا الأسرة و لا المدرسة و لا المسجد قادرين على بناء و توجيه المنظومة الأخلاقية مثل قدرته ، هو من يتحمل مسؤولية التأسيس و النقد ، البناء و الهدم.
فلعل هذه السلطة الرابعة ( الاعلام) تستقيم و تتقي الله في العباد و البلاد. و لعل السلطات الثلاث سابقاتها : التنفيذية ، التشريعية و القضائية في وطني تعتدل في مقامها و مرامها.
لعل الدولة تضرب بيد من حديد على الانتهازيين ، المرتشين و بائعي الذمم.
لعل حربا تشهر على صناع الموت من تجار المخدرات و على المضاربين في قوت المواطنين .
لعل طبول الديمقراطية الحقة تقرع .
لعل شهية خدام الدولة من كبار المسؤولين، و خدام الشعب من المنتخبين للغنائم و المكاسب تضعف ، لعلهم يرتدعون عن النهب و السلب و السطو على الأرزاق.
لعل الثروات المفقودة تظهر ، ليكون مآلها توزيعا يضمن العدالة الاجتماعية كحق من حقوق الشعب و يطفىء لهيب الأسعار المشتعلة التي أجهزت على قدرته الشرائية.لعل محرار ارتفاع الأسعار يتعطل.
لعل أوضاعنا لا تحوجنا للمطالبة برحيل رؤساء حكومات خيبوا الظن .
لعل فلول الظالمين تندحر و أعداد المقهورين تتراجع. لعل الفقر و الجهل و الأمية إلى زوال. لعل ضمائر ذوي النفوذ تصحو و جشع المفسدين يخبو .
لعل اللغة السليمة تسعف البرلمانيات ، و النوم يهجر و يجافي أعين البرلمانيين.
لعل دموعنا تطاوعنا، بعد هول الصدمة، لبكاء ” ريان ” ، و من خلاله نبكي أطفال الشوارع ، الكهوف و خطوط السكك الحديدية…….
لعلنا نصحو على أمل و نغفو على أمن و سلام.
لعل الكتاب ينبعث ، و لعل أمة إقرأ تعود للقراءة من جديد.
لعل السماء تمطر ، و لعل الغيث ينهمر.
لعل و لعل و لعل …….
ماذا عساي أقول أيضا ….
أقول : ” لعل القادم أفضل ..” ، مصداقا لقوله تعالى :
” لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ” صدق الله العظيم.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading