الفنان : محمد الرايس:
كما هو حزين حينما أتذكر زمن الإبداع الجميل … يومها كانت أرضية الفن نظيفة و غير ملوثة ولا يشوبها تشويه و كثرة المشعوذين ، كان وقتها عالم التشكيل له جمهور شغوف و يعشق زيارة أروقة الفن التي تقيم معارض هادفة و جميلة ، والتي كانت لها فلسفة وخطاب تواصل وتأثير بين العمل الفني والمتلقي، كانوا طلاب الفنون التشكيلية بمدارس الفنون الجميلة ومحترفات ومراكز الفن المختلفة ، تسكنهم الروح الفنية الطاهرة و الرغبة في التعلم و التكوين الفني بهوس وجنون ، ويحلمون بصقل موهبتهم قصد الذهاب بعيدا في التفكير والتعبير ، ومن خلال تطويرها بالممارسة التطبيقية والتقارب العلمي من اللغة التشكيلية على أساتذة التعليم الفني ذوالتجارب والخبرة ، والهيام والترحال ، والمحتكين بمسارات كبار الفنانين العالميين ، و كذلك حب زيارة المتاحف العالمية والتعرف على كبار رسامي مدارس النحت والتصوير،وتاريخ الفن الكلاسيكي والحديث وفناني الحركات الطلائعية ، يومها كانوا طلاب الدراسات العليا للفن تسكنهم روح البحث والمعرفة والتثقيف ، ومطالعة مجلات الفن التشكيلية العالمية، ويترددون على مكتبات المعاهد ومراكز الفن الحديث والثقافة المعاصرة،ويطلعون على فهرسات الفنانين العالميين ، ويتفحصون المجلات الرائدة في الثقافة العامة والفنيةالبصرية التي يحررها مختصين حقيقيين أساتذة جامعيين في شعب تاريخ الفن ، من مؤرخي تاريخ الحضارات و الفنون و مفكرين في الفكر والجمال ، و نقاد الفن العالمين ،و المتخصصين في مفاهيم الفلسفة البصرية التشكيلية المعمقة ، وحيث زمانها كان سبيلنا الوحيد ، مكتبات المراكز الثقافية الأجنبية ، حيث منها نغرف الكثير من المعلومات المفيدة ، أما اليوم في زمن التفاهات والعولمة و متاهات تكنولوجيا الإعلام الرقمي ، والمواقع الإفتراضية العشوائية، حيث إمتلأت الساحة بالبوز والمظاهر السطحية ، و تطفو المغالطات ، وكثرة الإستحمار والغباء و المزيد من الأمية البصرية .. حيث لم نعد نفرق بين الغث والثمين ، من كثرة المتطفلين والدخلاء وأشباه الفنانين المزيفين ..الذين نصبوا أنفسهم وصاة بكل علانية وبلا إعتراف وبلا تقييم ، زعماء وصاة على الشأن الفني بكل عبثية ، بين صباح وعشية ، وهم لايفقهون حتى المبادئ الأوليةالمدرسية، و التقنيات البدائية، وليس لهم أدنى فهم في تراكمات المذاهب الفنية التقليدية و الحداثية ، وما عرفها القرن 20 من تراكمات و حركات طلائعية.. كلها ذلك لم يأتي من فراغ…. أما اليوم لا تكوين فني بمفهومه الصحيح ولا إهتمام ولا مواكبة بمفاهيم الحركات التشكيلية العالمية ، و لا محاولة للتعرف على كل ما جديد قصد الغوص والدفع بالتجارب المحلية نحو الكونية ، الغالبية العظمى تمارس بدون تصور ولا فطنة فكرية ، لا تجريب ولا إضافة وإستمرارية ، ولا محاولات ملموسة ومحسوسة بالمصطلحات الفنية والمفردات التشكيلية، لا إلمام بتاريخ الفن والحضارات الإنسانية ، ولا تعبير تشكيلي صحيح يتفاعل مع تناقضات الحساسية الزمنية ، والغريب بالرغم من كل هذا الفقر…، تجدهم زعماء في الصفوف الأولى ينصبون أنفسهم أوصياء بكل عشوائية بالعديد من المنابر الإفتراضية ووسائل التواصل الإجتماعية و في زمن تفاهات الشبكة العنكبوتية، يتحدثون بإسم الفن والفنانين بلا حياء ولا خجل . ختاما هذه مجرد تدوينات شخصية ولا تمس أحدا بالتحديد ، و مجرد غيرة ذاتية عن وضعية مجال الفن التشكيلي الذي أصبح يعرف فوضى عبثية عارمة لا تطاق بسبب غياب تنظيم من طرف مختصين في الإبداع الفني بمفهومه الصحيح ، وقصد الخروج من هذا النفق المظلم إلى النور ، يجب التفريق بين الفنان الحقيقي وأدعياء الفن ، وبين العمل الفني الأصيل والعمل السوقي الزائف الذي يعتمد على الصنعة والحرفية ، ويفتقد للصدق في التعبير عن الواقع والتفاعل مع الظرفية الزمنية التي تتخبط فيها الإنسانية…..