احنا بتوع الأتوبيس

15 أكتوبر 2025


بقلم ذة. مليكة حميحم

وأنا أتجول بين صفحات الفضاء
الأزرق وأواكب أحداث بلادنا الأخيرة ، على الشاشات المحلية والعالمية ، شعرت بالخوف ممزوج بالإشفاق على وطننا الحبيب وعلى أبنائه ، فنحن لا نريد أن نراهم إلا آمنين ومستمتعين بالعيش الكريم ومصدر فخر وإعتزاز لنا جميعا متشبتين بحب الوطن …..
عدت بذاكرتي الى أوائل الثمانينات أيام كنت أدرس بثانوية جابر بن حيان بتطوان وأقيم بl internat أو الداخلي كما كنا نسميه ، داخلي خديجة أم المؤمنين ، حيت قضينا أجمل سنوات الدراسة ، وقد كان حينها تلاميذ وتلميذات القصر الكبير ممن يدرسون شعبة الاقتصاد يلتحقون للدراسة بمدينة تطوان ، لعدم توفر هذا التخصص بمدينتهم و كذلك زملاؤنا بمدينة العراءش ، أصيلا طنجة، الشاون ، الحسيمة ، الكل كان يلتقي بداخلي خديجة أم المؤمنين للبنات و داخلي جابر بن حيان بالنسبة للذكور.
كانت حقا سنوات النضج والاكتشاف زمن بناء الشخصية وتفتح الوعي والدراسة والمعرفة بامتياز ، و قد استحضرت بعض الذكريات بمناسبة هذه الأحدات الأليمة التي تجتاح بلادنا وما يترسب عليها من فتنة واختلاط الحابل بالنابل …..
في صباح أحد أيام الدراسة ، استيقظنا كعادتنا على الساعة السابعة في داخلي خديجة أم المؤمنين ، ونزلنا من الطابق الأول المخصص للنوم في اتجاه قاعة الطعام ، أخدت كل واحدة منا مكانها في انتظار وجبة الفطور المكون من قهوة وحليب وزبدة و مربى /كونفيتير وخبز ساخن ، وما إن رشفنا أول رشفة من كوب الحليب والقهوة، حتى تذوقنا طعم الحريق فيها ، فبدأت وشوشات التلميذات مستنكرات ذلك ، وتعالت أصوات الزعيمات تطالبن بحضور المديرة والمقتصدة ، فتوقف الجميع عن الأكل و بدأن الهتاف بالشعارات ، كنت يومها في سنتي الاولى بالداخلي وكانت مائدتنا تضم فتيات من القصر الكبير والعرائش ، اندفعت الحماسة في أوصالنا و بدأنا بالغناء والتطبيل بإيقاع صاخب ، وحملت المغرفة في يدي وبدأت ألوح بها في الهواء ، وانا أردد أغنية سميرة توفيق المشهورة في تلك الفترة :
قهوتنا نشامى وهيل
تسكب على الفنجان
والخيل عز الليل
مسروجة للفرسان
وصديقاتي يرددن معي بانسجام تام حتى اننا لم نشعر بدخول المديرة والمقتصدة اللتان كانتا تتفحصان أجواء القاعة وكانتا تراقباننا بصمت ، وفجأةسكت الجميع و بقيت أنا ملوحة بالمغرفة باستمتاع مع أغنية سميرة توفيق !!!
تكلمت المديرة بكل تفهم وقالت بأن هناك عطب وقع في آلة تحضير القهوة ، وبأن هذا لن يتكرر ، وأحضروا لنا في الحال نيسكافيه بدل القهوة المحروقة وأتممنا فطورنا بين ضحكاتنا و اعتزازنا بموقفنا النضالي الأول في حياتنا .
مر على تلك الحادثة أكثر من أسبوع وكان أسبوع الهدوء الذي يسبق العاصفة، ففي أول يوم من الأسبوع الثاني وكانت حصة التاريخ والجغرافية بالثانوية، و إذا بي أتفاجئ بحارس المدرسة / الشاوش ، يطرق باب القسم ويطلبني بالإسم ، شعرت برعب لايوصف وأنا اتجه معه إلى الإدارة ، سألته عن سبب الاستدعاء ولكنه أجابني بأنه لا يعرف شيئا ، وما لم أكن أتخيله أبدا وقع !!! فما أن دخلت مكتب المدير حتى صدمت بوجود أبي وهو جالس والشرر يتطاير من عينيه ، هرعت إليه لأقبل يديه وأحتمي به لكنه لم يمد يده ، وقام واقفا فانسحب المدير من المكتب ، ليبدأ أبي بتعنيفي مستغربا خيانتي لثقته و تزعمي للإضراب عن الطعام كما أخبرته بذلك الإدارة بداخلي خديجة أم المؤمنين ،ووسط بكائي وإنكاري لأية زعامة أو معرفة بخطورة الوضع وبأنني ضحية جهلي بالظروف انا وصديقاتي ، بدأ أبي يهدأ من روعي بعدما تأكد من برائتي ، ونصحني بأن أهتم بدراستي ، ومصلحة وطني فوق كل شيء ،فأعداء الخارج يحاولون زرع الفتن بيننا لإضعاف بلادنا ، وكان أبي يكلمني بكل صرامة وثقة ، فهو جندي متقاعد همه الأقصى أمن بلاده واستقراره.
ودعني أبي ورجعت إلى القسم وعيوني منتفخة بالبكاء ، فسألني الأستاذ بدهشة عن سبب الاستدعاء و البكاء ، فأجبته بدون تفكير بأن جدتي قد توفيت !!!!! فتحول القسم إلى مجلس للعزاء والمواساة…..
وقد كانت هذه الحادثة تذكرني بفيلم عادل إمام احنا بتوع الاوتوبيس( ناس عاديين ألقي عليهم القبض في شجار عادي في زحام الاوتوبيس ، يجدون أنفسهم يستجوبون من طرف أمن الدولة رفقة الإخوان والشيوعيين ويسجنون مع أقسى أنواع التعذيب وهم لايفقهون شيئا في السياسة ولا النضال ) لم اكن انا إلا صاحبة المغرفة التي لا تعرف غير الدبكة وسميرة توفيق ولا علاقة لها بالنضال ولا هم يحزنون !!!
خوفي على أولئك المندفعين وراء الموجة و أولئك الذين تأخدهم الحماسة أمام الميكروفون و هم لايفقهون عواقب ما يتفوهون به ….
وقلقي على راكبي الأمواج من أحزاب تريد أن تسرق حلم الشباب الواعد الذي
يخطو بكل ثقة مؤمنا بالثوابت والمقدسات ومخلصا لها ، لايحلم إلا بوطن آمن ناجح وبقطار كل عرباته مضيئة ب : الصحة ، التعليم ، العدل ، التنمية ، الاعلام ؛ نصل به معا إلى محطة المجد إلى كأس العالم وكل مجالات الريادة بسرعة واحدة ، أقوياء متحدين من طنجة للكويرة رغم أنف و كيد الأعداء .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading