يوم صعب .

6 سبتمبر 2025

ذ. ادريس حيدر :

كانت الحرارة مرتفعة جدا خلال شهر غشت من هذه السنة .
و في إحدى أيامه فاقت 46 درجة ، حيث تصبب العرق من كل مسام جسدي ، و تبللت ملابسي ، بل و التصقت به ، مما زاد في ضجري و مللي و سأمي .
شعرتُ نتيجة لهذه الحالة ، بالضيق و بِصُعُوبة ٍ في التنفس لدرجة كنتُ أكاد أَخْتَنِق .
فقررت إذن ، و للتملص من هذه الأجواء الصعبة ، التوجه إلى أقرب شاطئ لمدينتي المهمشة و المهجورة ، و ذلك قصد أخذ قسط من الراحة ، و بحثاً عن أجواء رطبة تخفف ثقل و قساوة الحر الذي لم أعُد أُطيقه.
حَمَلتُ متاعي ، و توجهتُ حيثُ أبتغي .
و بمجرد وصولي إلى الشاطئ ، اخترتُ مكانا بعيدا عن المصطافين و ضجيجهم .
ثَبَّتُ مظلتي ، و وضعتُ منديلي تحتها ، و نشرتُ جسمي المتهالك فوقها ، لعلي أتفيأ بظلها .
انتعشتُ بنسائم البحر التي كانت تهب خفيفة ، و برائحته الخاصة ، التي جعلت ذاكرتي ترتد بي سريعا إلى الأيام الخوالي و العطل الجميلة ، التي كنتُ أقضيها بصحبة أفراد عائلتي أحيانا و بمعية الأصدقاء في أحايين أخرى .
خَلَعْتُ ملابسي إلا من سروالي القصير ، فشعرتُ براحة أكبر و ارتياح أكثر .
تمددتُ ، و أخذتني غفوة من النوم ، أيقظني منها طنين بعض الذباب ( الذي أكرهه) الأزرق الكريه ، و الذي بدأ يلف حولي .
حاولت إبعاده بالنش عليه بواسطة قميصي ، إلا أنه لم يبتعد ، بل ظل يقوم بنفس المناورات ، ثم يعود و يحط فوق مناطق حساسة من جسدي و يوكزني فيها ، و كانت لذغاته قوية و مؤذية .
و بينما كنتُ منشغلا بإبعاد ذلك الذباب اللعين عني ، سمعتُ هذه المرة أزيز نحلتين ، كانتا تعلوان جسدي ، فحاولتُ رَدَّهُما كذلك ، لأنني كنتُ أتوجسُ خيفة من أن تلسعني إحداهما ، على اعتبار أن جسمي كثير الحساسية للسعات النحل .
ابتعدتُ بعض الشيء عن المكان الذي كنتُ أحط به ، درءا لخطورة تلك الكائنات و للضرر الذي يمكن أن تلحقه بي .
و ما هي إلا لحظات ، حتى رجعت النحلتان لمضايقتي ، و حاولتُ إبعادهما كما فعلتُ مع الذباب الأزرق ، إلا أنني لم أفلح ، حيث ظلتا تلفان و تحومان حولي .
و فجأة لسعتني إحداهما في أذني التي تقع بالجهة اليسرى من رأسي .
و بينما كنتُ منشغلا بما حدث ، حتى قامت النحلة الثانية بنفس فعل الأولى ، لكنها لسعتني هذه المرة تحت وجنتي اليمنى .
رفعتُ صوتي عاليا ودون أن أشعر ، و صحتُ :
” ما هذا !…لم تختر هذه الكائنات في هذا الشاطئ الشاسع و الفسيح و الممتلئ بالمصطافين سواي …”
كنتُ قد فقدتُ صوابي .
و بعد برهة انتفخت أذني ، و أخذت حجما غير عادي ، كما أن وجنتي اليمنى تورمت و لم أعد أرى شيئا .
و أصبحتُ أبدو ك : “بهلوان” تائه بدون مساحيق .
و بينما كنتُ أرغد و أزبد ، فاقدا لإدراكي و شعوري ، أثار انتباهي أحد المصطافين ، الذي تأثر لحالي ، إلى كوني أتواجد في مكان طُمِرَتْ فيه ، بقايا أكل و أزبال من طرف أحد المستجمين أو من طرف عائلة برمتها بعد فراغها من الأكل ، و هي التي استقطبت الذباب و النحل .
غضبتُ كثيرا من هذه المسلكيات الرديئة لبعض المواطنين ، و أدركتُ أنه و نتيجة لما وقع لي ، فإني أعيش لحظات صعبة ، ملؤها السخط ، الانفعال و الضيق .
انتصبتُ واقفا ، و لعنْتُ البحر و الرمل و الموج و الذباب و النحل و الإنسان و العالم ، و هرولتُ بعيدا عن ذلك المكان ، تاركا أمتعتي ، و محاولا الإفلات من مخاطر ، قد تنتظرني ، و يمكن أن تُلحق بي أضرارا جسيمة أخرى .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading