
بقلم : ذ . أحمد الشواي
يشكل الشعر والتشكيل علاقة متداخلة ومتكاملة، تمتد عبر الثقافات والحقب الزمنية، حيث تتفاعل الكلمة والصورة لخلق نص بصري وحسي يعبر عن أبعاد جديدة للإبداع الفني. في هذا السياق، يُعاد تعريف النص الشعري ليصبح تجربة تشكيلية مرئية، بينما تكتسب اللوحة التشكيلية عمقًا أدبيًا يعكس الروح الشعرية.
البعد الفني والتقني للعلاقة:
يجمع الشعر بين المعاني والصور المجازية التي تُترجم غالبًا إلى لوحات ذهنية، بينما يعتمد التشكيل على الألوان والخطوط لتوصيل رسائل بصرية. لكن حين يتداخل الشعر والتشكيل، تُنتج تجربة إبداعية تستثمر الأدوات المشتركة لكل من الشاعر والفنان التشكيلي.
أدوات الشاعر:
1. الصور الشعرية: تحويل الكلمة إلى صورة مجازية تحمل أبعادًا بصرية.
2. التشكيل الطباعي: توزيع النصوص على الصفحة بطرق هندسية أو رمزية، مثل قصائد أدونيس.
3. التجريب النصي: استخدام التقنيات الرقمية لدمج النص مع الصورة، كما في الشعر البصري.
أدوات الفنان التشكيلي:
1. النص كعنصر زخرفي: توظيف الأبيات الشعرية ضمن التكوين الفني، كما يظهر في فن الخط العربي.
2. الألوان والخطوط: تعبير بصري يوازي أو يعيد تفسير المضمون الشعري.
3. الوسائط الرقمية والكولاج: الجمع بين النصوص والصور بأساليب تفاعلية.
أمثلة على التداخل بين الشعر والتشكيل
1. عالميًا
غيوم أبولينير: في “الكاليغرامات”، كتب قصائد على شكل صور تعكس مضمون النص، مثل قصيدة “الحمامة”.
مارك شاغال: استخدم نصوصًا شعرية داخل لوحاته، مما أضاف أبعادًا رمزية ولونية تتجاوز حدود الكلمة المكتوبة.
إدوارد كامينغز: أعاد تشكيل النصوص الشعرية بطريقة بصرية عبر توزيع الكلمات على الصفحة بأسلوب فني حر.
2. عربيًا
أدونيس: استخدم التوزيع الهندسي للنصوص ليخلق توازنًا بين الشكل والمضمون.
الخط العربي: برع الخطاطون العرب في دمج الشعر الكلاسيكي مع التشكيل البصري، مثل استخدام أبيات المتنبي في أعمال زخرفية.
محمود درويش: ألهمت قصائده العديد من الفنانين التشكيليين، كما في معارض تمزج نصوصه مع لوحات بصرية تعكس معانيها.
3. الوسائط الحديثة
الشعر الرقمي والمعارض التفاعلية التي تجمع النصوص الشعرية مع الخلفيات المتحركة والألوان.
جدلية الإبداع: الكلمة والصورة
يقدم التفاعل بين الشعر والتشكيل حوارًا فنيًا غنيًا:
الشاعر يحول الكلمة إلى لوحة تخييلية، والفنان يعيد صياغة النصوص كرموز بصرية.
الكلمة تفتح آفاقًا للصورة، والصورة تمنح الكلمة عمقًا حسيًا.
هذا المزج لا يخلق فقط نصوصًا شعرية بصرية أو لوحات تشكيلية أدبية، بل يضع المتلقي أمام تجربة متعددة الأبعاد، تجمع بين الجمال اللغوي والجمال البصري، مما يجعل الشعر والتشكيل وسيلتين متكاملتين لرؤية العالم والتعبير عنه.