د.محمد حقيقي *
تعرفت على المناضل عبد القادر أحمد بن قدور منذ زمان في ساحة الإعتصام والإحتجاج التي كان يخوضها ضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص، وكان لوحده حركة لا تكل.. يصيغ البيانات في قضيته والمقالات كما يخوض أشكالا نضالية لوحده أمام البرلمان أو أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. ، وكان دائم التنقل من مقر سكناه بالقصر الكبير إلى الرباط للمطالبة بإنصافه وإنصاف سائر الضحايا من هم على شاكلته، إنه مناضل متعدد المواهب والإهتمامات فهو ناشط حقوقي وعضو شرفي بمنظمة العفو الدولية وأديب وإعلامي وعضو في جمعيات ثقافية وإعلامية وغيرها وقد سخر كل ذلك لخدمة قضيته وقضايا ضحايا سنوات الرصاص، ولم ييأس أو يحبط، حتى آخر نفس.. ولا يزال لولا وضعيته الصحية، إنه يعلمنا درسا في الصمود والتشبت بالكرامة والإنصاف.
يحكي أستاذي العزيز عبد القادر بشأن معاناته أن حقه في الحياة خلال سنوات مضت هدد أكثر من مرة سواء في مستشفى الرازي بمدينة سلا أو في مدينة تطوان بمستشفى مايوركا عند الطبيب الأجنبي الإسباني المسمى (طوريكانو) الذي مارس عليه التعذيب بالكهرباء على مستوى رأسه(الدماغ والجبهة) وغير ذلك من اصناف التعذيب، وأنه بعد ذلك وعوض فتح تحقيق في الموضوع ومحاسبة المسؤولين عن محنته، تم الإكتفاء بتسليمه شهادة طبية للعلاج عن كل ذلك بالخارج.
كما يسوق لنا أستاذنا معاناة من صنف آخر تتعلق بحرمانه من الترقية عندما كان بوزارة الداخلية..وأنه مؤخرا حينما توجه إلى الوزارة من أجل تذكير المسؤولين عن ذلك بالموضوع، ومقابلة السيد العامل و مدير الشؤون الإدارية بالوزارة وغيرهم..تم إخراجه.. بل تم طرده من مقر الوزارة باستعمال العنف في حقه، ويوضح الأستاذ عبد القادر أن رئيس القوات المساعدة دفعه أمام الباب الحديدي للوزارة، فسقط على الأرض، وكاد رأسه أن يرتطم بالباب المذكور لولا لطف الله تعالى.
أما بخصوص ترقته فيصرح بن قدور أنه شارك في مباراة المحررين لوزارة الداخلية لسنة 1978، وكان ترتيبه هو العاشر، علما انه نجح في هذه المباراة 200 محرر ، تمت ترقيتهم إلى السلم 10، وعندما توجه أستاذنا إلى القسم المعني في تلك الفترة قيل له بأنه سيرقى السنة المقبلة، غير أن الأستاذ عبد القادر لم يستفد من الترقية إلى السلم العاشر إلا سنة 2000 بدل سنة 1998، ولا يزال يناضل من أجل التسوية المادية و الإدارية وتعويضه ماديا بأثر رجعي..
وأمام انسداد الآفاق وغياب التعامل المنصف مع حالة المناضل عبد القادر بن قدور صار يفكر في ابتداع وسيلة أكثر أثرا من المراسلات والإعتصام، طالما أنها لم تحرك في المخاطب ساكنا:
فلو أنك ناديت حيا لأسمعته***ولكن لا حياة لمن تنادي
فقد كانت فكرة الإحتجاج عن طريق حرق الذات تراود الأستاذ عبد القادر ..حيث أخبرني بذلك أكثر من مرة، وكنت أثنيه عن الموضوع..لقد كان يحتاج إلى مستمع نبيل من الجهة الأخرى، يرد له اعتباره ويتدخل من أجل إنصافه..لكن الإهمال عمق داخله الشعور بالقهر والحكرة واللامبالاة..
بعدها انقطع التواصل بيني وبين الأستاذ بن قدور لإنشغالي بآثار العملية الجراحية التي أجريتها على القلب شهر أبريل الماضي، كما لم يتواصل معي جريا على عادته..وقد حدثتني نفسي بأن شيئا ما حصل لعبد القادر ، وكنت أهم بالإتصال به أو على الأقل ترك رسالة صوتية له..ولم ألبث طويلا حتى اتصل بي، وقد فوجئت كثيرا عندما سمعت عبد القادر على الجهة الأخرى من الهاتف وهو يحدثني بصعوبة وبكلام غير مفهوم..وبالكاد كنت أفهم بعض ما يقول..انتهت المكالمة..وفور ذلك تواصلت مع إبنه أحمد الذي أخبرني أن والده عبد القادر قد أصيب بجلطة دماغية شهر يوليوز الماضي نقل على إثرها إلى المستشفى.. وقد فقد القدرة على الحركة والكلام أيضا لمدة ، بعدها غادر المستشفى مع استمرار خضوعه للترويض على مستوى الحركة و الكلام.. غير أنه في الأخير طمأنني أن أستاذنا عبد القادر بدأ يخرج إلى المقاهي القريبة من منزله، وأنه لا يزال يتابع الترويض ليتمكن من القدرة على الكلام..
لقد فهمت عندذاك لماذا غاب عنى أستاذي عبد القادر وهو المناضل الملحاح.
كما فهمت أن الإنصاف في بلادنا لا يمكن أن يناله الضحية، إلا إذا كان قوة ضاغطة، أو بحصول المصلحة عند الدولة في هذه المقايضة، إن الأمر عند الدولة يتراوح ما بين الهيبة وثنائية الربح والخسارة..
إن الإنصاف عندنا يبدأ حلما يراود الضحايا وسرعان ما ينقلب إلى كابوس… إلى وهم وسراب لا يدركه الضحية..ويضل طيلة حياته يصارع طواحين الهواء..ويتلقى الوعود تلو الوعود الكاذبة..﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَ وَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ﴾ بينما تبدد الميزانيات في غير ما طائل، وتنهب الأموال والحقوق بدون رقيب ولا حسيب..
فهل نعتبر أن ما أصاب المناضل عبد القادر من جلطة دماغية نتيجة شعوره بالحكرة والفقصة، أمر يستدعي جبر ضرره ماديا ومعنويا؟ يضاف إلى حقه في التعويض المادي بأثر رجعي في ملف ترقيته المستحقة.
إن مناضلنا عبد القادر أحمد بن قدور يحتاج إلى رد الإعتبار والإنصاف..يحتاج إلى تواصل من رفاق دربه..يحتاج إلى إلتفاتة من الجهات ذات العلاقة بقضيته..قبل فوات الأوان.
فهل من مبادرة من رجل رشيد تعيد له الإعتبار؟
* نائب رئيس الرابطة العالمية للحقوق والحريات وممثلها بالمغرب