
بقلم: عبد القادر محمد حسن الغزاوي
في ثلاثة مائة وعشرين صفحة ، صدر حديثا ، . عن منشورات أخبار اليوم كتاب ” مذكرات صحافي وثلاثة ملوك ” ، للكاتب والصحافي مصطفى العلوي ، قيدوم الصحفيين ، في طبعة أنيقة وجميلة وجيدة من حيث الشكل والمضمون . ( سنة النشر 2011 م ) .
الكتاب وليد حلقات صحافية ، يضم بين دفتيه تقديما ، وفصلا تمهيديا ، وأربعة عشرة فصلا وخاتمة ، ويحتوي على مجموعة من الوثائق التاريخية ، والصور النادرة للكاتب مع بعض الشخصيات والرفاق في مختلف الأزمنة والأمكنة ، سجل فيه تجربته الصحافية في شكل مذكرات ، تؤثتها الأحداث والوقائع والتجارب والمعاناة ، وترفع اللثام عنها ، والتي يقول عنها في الصفحة رقم 9 : (مسطرا فيها العبر التي استخلصتها من حياتي ، ومن تجاربي ، ومن معاناتي ومقاساتي ) . هذه التجربة التي بدأت في سن مبكرة لدى الكاتب، كما يقول : (ومن خلال تجربتي الشخصية التي ابتدأت وأنا طفل صغير). الصفحة رقم 31 .
الأستاذ مصطفى العلوي مقدوره أن يكون صحفيا منذ نشأته ، حيث تربى وترعرع بين أحضان الصحافة التي أخذت منه حياته وحريته ، فأحبها بكل صدق وإخلاص ، ووهبها كل طاقاته وصحته ، فغيرت مساره وشغلت عقله ، وملأت قلبه . قل للصحافة ماذا فعلت بصحافي متمرد ، قد انخرط في مهنة المتاعب، بإخلاص وأمانة وجرأة ، وتمرد على كل ما لا يتفق وقناعاته الشخصية ، ومبادئ وأخلاق المهنة ، فجرت عليه المتاعب والمحن ، كان همه منذ بدايته الصحافية البحث عن (الحقيقة الضائعة) ، فكان يجد أمامه ( التعليقة الرائعة ) ، حيث اعتقل وسجن وعذب ، وزار عدة أماكن الاعتقال ، وقدمت له باقات من فنون الإهانة وأشكال التعذيب ، يقول في الصفحة رقم 9 : (أنا الذي قطعت أوصال قدمي من هول التعذيب ، الذي أسال الدمع من عيوني ، والدم من أقدامي ، في دار المقري ، لا من أجل انقلاب دبرته ، ولا سلاح حملته ، وإنما من أجل مقال كتبته ) .
فالكتاب يعتبر وثيقة تاريخية تؤرخ لأحداث ووقائع من تاريخ المغرب المعاصر ، على عهد ثلاثة ملوك ، في أسلوب بسيط جميل وسهل . صادرة عن صحافي متمرس ، هذا الصحافي الذي تعرف مهنة المتاعب جرأته ، ويعرفه القلم والورق والحبر . هذا الصحافي الذي لا يجهله أحد ، فهو أشهر من نار على علم ، وله علاقات بمختلف طبقات المجتمع ، فقضى أياما بنهارها ولياليها بين القلم والورق وهو ثالثهما ، يسجل ويكتب وينشر ، ( لأن الكتابة نوع من الوحي المنطلق من الأعماق ، ومن الشعور الذي يضخ نبضات القلب في ما تسطره اليد ) ، الصفحة رقم 10 ، بدون محاباة ولا مجاملات ولا تملق ، وأصدر مجموعات من الصحف والمجلات بأمانة وصدق وإخلاص ، بالإضافة إلى العديد من الكتب، فجنى على نفسه وعليها ، وكانت المحاين له بالمرصاد ، تتجلى في الاعتقال والسجن للكاتب ، والحجز والمنع والتوقيف لصحفه . ورغم ذلك أصبحت مهنة الصحافة عنده هي قضيته ، وسلاحه القلم والورق وما يسطرون .
وقراءة هذه المذكرات سيجد بها القارئ ، حياة الكاتب حافلة بالمتغيرات والأحداث ، وحسب ما جاء على لسانه في الصفحة رقم : 10 ( سيجد بها كشفا بما عرفته عبر هذه الأحداث الواقعة ، من حضور في حرب جيش التحرير في إيفني وأيت با عمران ، واشتباكات لجيش التحرير في الريف ، ومشاركة في حرب الفيتنام ، وحضور في العبور المصري ، والجولان السوري ، واعتقال في دار المقري التي أعتبر أنها أبشع من تازمامارت وليال في الكوميساريات والسجون والمحاكمات لم يسبق لها نظير) . وسيجد كذلك القارئ بها ذكر شخصيات تاريخية وسياسية وأدبية وفنية ، (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) الآية رقم 23 من سورة الأحزاب ، وكانت لها بصمة في حياة الكاتب المهنية الإدارية والصحافية ، وأنه حسب ما جاء على لسانه في الصفحة رقم 317 اعتمد على ذاكرته وأرشيفه الشخصي، حيث يقول : ( أنني سردت الكثير مما اختزنته ذاكرتي وأرشيفي الشخصي ) . وعند قراءتها سيجد بها القارئ كذلك متعة ثقافية ، ومعلومات تاريخية ، موثقة بصدق وأمانة .
الرباط في : 08 يونيو 2012 م .
ـ إشارة : توفي المرحوم مصطفى العلوي يوم السبت 28 دجنبر 2019 م . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .