المَعنى الأمَدي

3 أكتوبر 2023

د. عبد السلام دخان 

حين كنا أطفالًا، كنا على يقين أن المرض ارتباك يُصيبُ الأصحاء، وأن لا شيىء سيصيب من نحب، او يمنع عنهم بيولوجيًا شريان الحياة. لم نكن حينها ندرك ماهية النسبية، كنا نشاهد ونسمع عن فقدان الجيران لذويهم وأحبتهم، وكنا نعزيهم ونمضي، من دون قدرتنا على الإحساس بآلامهم، لكن؛ وعلى نحو غير متوقع يزور الموت البيت الآمن، وبضربة واحدة يأخد من نحب. الموت القاسي العنيد يأخذ من نحب بعيدا عن البيت والأهل ليترك الكل في حالة صدمة وذعر. فقدان من نحب مرحلة صعبة للغاية، إذ فجأة تجد نفسك وحيدا في الطريق، تَحمل جَبلا من الحجارة من دون وجهة او رغبة في الانتظار. وفي اللحظة التي نُصاب بالذهول والحزن يختفي جزء كامل من حياتنا إلى للأبد.
تقويض الغياب لا يتم بترويض الذات على مواجهة مايهددها، بل بتعلم وتقبل الحزن الأشد إيلامًا.
موت من نحب معناه نهاية الملجأ، ومحاولة إقناع الذات ان الغياب جزء من تراجيديا الوجود، بَيد أن قساوة المشاعر لا ترتبط بفترة الحداد فحسب، فكلما بعدت المسافة ازداد الألم والاشتياق، هنا تتدخل الذاكرة وتتسع محاولة تعويض الغياب عبر جسر التذكر ومحمولاته، وهذا ما يفسر استعادة الفرح الرمزي، وإعادة التوازن للذات بعد معاناتها من جراء الاختلال الوظيفي لتاريخها و هويتها، ومن جراء فقدان الحب غير المشروط، ومَنبعه الدَّفُوق. وربما لهذا السبب كان الإحساس بالفقدان غير قابل للاستيعاب، رغم ان تجربة فقدان من نحب إلزامية للجميع. إن تجربة الفقدان كفيلة بكسر القلوب الصلبة، وإرهاق الأجساد السليمة. حين نفقد من نحب، نفقد انفسنا. وحتما الألم لا يزول بعد شهر او عام أو أكثر، ولا دواء لفاجعة الفقدان.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading