ذ . ادريس حيدر :
” أعند الإشارة تكون الساعة …!”
” سيداتي، آنساتي ، سادتي …إليكم نشرة الأخبار …نبدأها بالموجز ” .
هكذا كانت تقدم نشرة الأخبار من الإذاعة الوطنية بالرباط.
كان أب الأسرة، و بمجرد سماعه هذا الإعلان ، يأمر أفرادها بأن يلذوا بالصمت ، ليتمكن من الاستماع إلى الأخبار مع ما تحمله من مستجدات .
كان الاستماع إلى نشرة الأخبار- في كل البيوت – يخضع لطقوس خاصة .
و كانت نشرات الأخبار ، تحظى لدى كل العائلات باهتمام جد خاص ، ترجع خلفياته إلى فترة الإستعمار ، حيث كان الشعب المغربي يتابع الأخبار المتعلقة بالقضية المغربية كما كان يُطلق عليها (اي المعركة من أجل الاستقلال ) عبر الإذاعات الأجنبية و خاصة إذاعة ” صوت العرب – من القاهرة ” .
كانت أصوات المذيعين المصريين آنذاك تجلجل في الاثير و تبعث الأمل و تثير الحماسة لدى المواطنين ، مبشرة بالاستقلال الذي كان يقترب وقت حلوله يوما بعد يوم .
كانت أصواتهم رخيمة ، جهورية و ساحرة .
كانت الأسر تتجمع و تلتف في منازلها حول الراديوهات ، بالرغم من قلتها .
و بعد حصول المغرب على استقلاله ، ظلت تلك الحصة ( اي النشرة الإخبارية ) تحظى بعناية خاصة ، و من اجل استمرار نجاحها و تأثيرها الإيجابي ، اختارت الإذاعة الوطنية رجالا ذو كفاءات ليتولوا مهمة إلقاء نشرات الأخبار أمثال :
محمد بنددوش ، محمد أحمد الأزرق، محمد بناني ، الطاهر بالعربي، عبد الرفيع جواهري ، لطيفة القاضي ، لطيفة الفاسي، بديعة ريان …الخ.
كانت فصاحة المذيعين و تمكنهم من أسرار اللغة العربية ، ينم عن ثقافتهم الواسعة و حسن تمكنهم منها .
و ما كان يلفتُ الانتباه ، هو انه و بالرغم من أمية كثير من أرباب الأسر، إلا أنهم كانوا يفهمون مضامين النشرات ، بعد أن كانوا يُلزمون أفرادها بالصمت .
و مع مرور الوقت أصبحت تلك الفترة أكثر أهمية، فبمجرد انتهاء نشرة الأخبار الزوالية، كانت تتبعها حصة للموسيقى الأندلسية( أو موسيقى الآلة ) ، و بالتالي أصبحت الأسر المغربية تقضي ما يزيد عن الساعة و هي تستمع لأخبار الكون ثم لموسيقى تراثية ، تصاحبها أصوات رائعة . كل ذلك بإمكانيات بسيطة .
و اليوم و بالرغم من تعدد المحطات الإذاعية و التلفزية ، و تطور التكنولوجيا و توفر الإمكانيات المالية و غيرها ، غابت تلك العادة الجميلة و أصبح الجميع يلهث وراء الصورة في وسائلهم المحمولة ، و كثرت البرامج الهزيلة بمنشطين فاقدي التكوين و الموهبة .
و أصبحت أجيال متعاقبة تحن لصوت ” أحمد ريان ” و هو يعلن :
” أعند الإشارة تكون الساعة …!”.