إشراقة… نشرة الأخبار.

14 أغسطس 2023

ذ . ادريس حيدر : 

” أعند الإشارة تكون الساعة …!”
” سيداتي، آنساتي ، سادتي …إليكم نشرة الأخبار …نبدأها بالموجز ” .
هكذا كانت تقدم نشرة الأخبار من الإذاعة الوطنية بالرباط.
كان أب الأسرة، و بمجرد سماعه هذا الإعلان ، يأمر أفرادها بأن يلذوا بالصمت ، ليتمكن من الاستماع إلى الأخبار مع ما تحمله من مستجدات .
كان الاستماع إلى نشرة الأخبار- في كل البيوت – يخضع لطقوس خاصة .
و كانت نشرات الأخبار ، تحظى لدى كل العائلات باهتمام جد خاص ، ترجع خلفياته إلى فترة الإستعمار ، حيث كان الشعب المغربي يتابع الأخبار المتعلقة بالقضية المغربية كما كان يُطلق عليها (اي المعركة من أجل الاستقلال ) عبر الإذاعات الأجنبية و خاصة إذاعة ” صوت العرب – من القاهرة ” .
كانت أصوات المذيعين المصريين آنذاك تجلجل في الاثير و تبعث الأمل و تثير الحماسة لدى المواطنين ، مبشرة بالاستقلال الذي كان يقترب وقت حلوله يوما بعد يوم .
كانت أصواتهم رخيمة ، جهورية و ساحرة .
كانت الأسر تتجمع و تلتف في منازلها حول الراديوهات ، بالرغم من قلتها .
و بعد حصول المغرب على استقلاله ، ظلت تلك الحصة ( اي النشرة الإخبارية ) تحظى بعناية خاصة ، و من اجل استمرار نجاحها و تأثيرها الإيجابي ، اختارت الإذاعة الوطنية رجالا ذو كفاءات ليتولوا مهمة إلقاء نشرات الأخبار أمثال :
محمد بنددوش ، محمد أحمد الأزرق، محمد بناني ، الطاهر بالعربي، عبد الرفيع جواهري ، لطيفة القاضي ، لطيفة الفاسي، بديعة ريان …الخ.
كانت فصاحة المذيعين و تمكنهم من أسرار اللغة العربية ، ينم عن ثقافتهم الواسعة و حسن تمكنهم منها .
و ما كان يلفتُ الانتباه ، هو انه و بالرغم من أمية كثير من أرباب الأسر، إلا أنهم كانوا يفهمون مضامين النشرات ، بعد أن كانوا يُلزمون أفرادها بالصمت .
و مع مرور الوقت أصبحت تلك الفترة أكثر أهمية، فبمجرد انتهاء نشرة الأخبار الزوالية، كانت تتبعها حصة للموسيقى الأندلسية( أو موسيقى الآلة ) ، و بالتالي أصبحت الأسر المغربية تقضي ما يزيد عن الساعة و هي تستمع لأخبار الكون ثم لموسيقى تراثية ، تصاحبها أصوات رائعة . كل ذلك بإمكانيات بسيطة .
و اليوم و بالرغم من تعدد المحطات الإذاعية و التلفزية ، و تطور التكنولوجيا و توفر الإمكانيات المالية و غيرها ، غابت تلك العادة الجميلة و أصبح الجميع يلهث وراء الصورة في وسائلهم المحمولة ، و كثرت البرامج الهزيلة بمنشطين فاقدي التكوين و الموهبة .
و أصبحت أجيال متعاقبة تحن لصوت ” أحمد ريان ” و هو يعلن :
” أعند الإشارة تكون الساعة …!”.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading