محمد أكرم الغرباوي
مقام البوح 10
أشرفت سنتنا الدراسية الإبتدائية الثانية على الإنتهاء ، فحل السيد المدير المبجل الحاج الدغاي على القسم ليطلب منا إخبار أسرنا بتحويل مدرسة علال بن عبد الله إلى إعدادية . كانت نظراتنا الطفولية كافية لتجعله ينهي كلامه أننا لن ندرس الموسم القادم بالمدرسة وعلينا أن نختار مدارس أخرى . إنتهى الموسم و نُثِرنا كالبذور بمؤسسات المدينة .
فرحنا بالإلتقاء مرة أخرى نحن الأصدقاء بمدرسة المولى رشيد 2 ( يوسف بن تاشفين حاليا ) لم نعد نذكر لذكرى السنتين . صرنا بمدرسة أكبر و أصدقاء كثر و طاقم اداري و تربوي جديد ، كان الطريق إليها رحلة طويلة في التيه بين الدروب و الأزقة المشابهة المؤدية لها . حي الأندلس او سكرينيا حي راق ، منظم ، مختلف عن عمران و تهيئة أحياء المدينة القديمة . منازل وفيلات بنسائم الريحان و الأقحوان و مسك الليل بحدائقها الموريسكية . أشجار فاكهة المزاح و البرتقال مغرية لتسلقها ، و النيل من ضرب و عصا حراسها .
مديرنا الجديد الحاج لحلو كان رحمه الله كل سبت مساء ، قبل تحية العلم يردد بحزم كبير نقطة نظام . الإنضباط و الجد و العمل و الأخلاق الحسنة .
وماغير هذا من زيغ و ميلان يقومه و يعدله با العزوزي الحارس الأمين . رجل معتدل القامة يسهر على النظام و حراسة البوابة الكبيرة . و يتقن بمهارة عملية الشد و الحزم و تهيء الهدف لتسديدات قويمة من اليد اليسرى للسيد المدير أو أخرون ممن علمونا جزاهم الله عنا كل الخير والجزاء الحسن .
لم يكن الإندماج بالصعب كنا صغار تفرقنا الأمنيات قبل الكنيات و العائلات . كانت حصة الفلاحة فترة حقيقية لتبادل صداقاتنا و أخوتنا و تقاسمها في حقل صغير ننتظر أزهاره و غلته بصبر وحلم . هو نفسه الأمل و الحلم الذي تركنا به البتلات و البذور و بعض الأزهار و الأشجار لتثمر في الزمن. وأذكر سنة إحتفاء بذكرى مولد الرسول الأعظم عليه السلام . انتقت المؤسسة مجموعة أداء ، فكان شرف تلقين المدائح و النيل من فضائل الحاج عبد القادر الطود رحمه الله و الحاج الكشوري رحمه الله . كان كبار العلماء و مشايخ الذكر و التربية الفنية لا يتعالون على تمكين الطلاب و اليافعين و التلاميذ من معين الأدب و الفنون . وكانت الإدارة التربوية بكفاءات مدبريها تفتح الافاق و المدارك لأبناءها و منفتحة على حيوات مبهجة .
الإندماج الطفولي بني مع امرأة تجندت لنحبها صدقا و أَرغَمنا حبها لنناديها بأمي زهرة . كانت تعد وجبات الإطعام و المطعمة بمحبة فتهدينا قطع الخبز و التمر . أو الحليب و الأرز ، أو غيره من طعام مجاني لايفرق بين الجميع . المطعمة كانت للكل .
رحلة العودة من المدرسة كان يستوقفها قطعة بملح و توابل من عند أحمد كليانطي ( كليانطي أكلة شعبية من الحمص و البيض و الدقيق ) أو تأمل وفرجة في ملاحم و بطولات دوريات كرة القدم بملعب الزيتونة او الشعيبي . قبل أن يغرينا تسلق و تزحلق جبال الطين بعد عمليات حفر ممر الطريق الرئيسي بين المدينة وحي الاندلس .
كانت دراستنا بحي سكرينيا الأندلسي الراقي رحيلا لنكتشف عوالم جديدة و لنبصم لبراءتنا بالإندماج العفوي . رحلة إنتهت بنجاح جماعي . كان الفضل فيها يومها لكل من ربونا هناك وعلمونا و صبروا لشغبنا و طفولتنا البريئة و نحن أبناء الأحياء الشعبية و الهامشية . عالية المقام ربيعة بنصفية و الأفاضل و الفضليات الاساتذة المصباحي ، الطيبي . التسولي . المريني . كائن الله . نزهة . فطومة …. كلهم متعهم الله بالصحة و رحم من سبقونا منهم .
أعلنت إدارة المدرسة إعادة هجرتنا مرة أخرى إلى علال بن عبد الله الإعدادية . بعد أن تفرق بعضنا بإبتدائيات أخرى و أذكر أصفياء الطفولة عبد الله أبو عوض . الحمدوني محمد . السناني . الموساوي محمد . العسري . طارق الحنفي . عبد الكريم دخان . يحيى الجيراوي . عمر الفركلي ، بوغالب جنان ، عمر بنادي المصمودي محمد . عقار ….و الكثير ممن يذكرهم تفصيلا محمد الحمدوني باسطوريا ، ومحمد محمد السناني .
كلهم أصدقاء بعمر محبة الأربعون سنة من علمتنا الدروس الأولى أن البقاء بقاء الروح الإنسانية و الأثر الطيب قبل كل حفر .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي