إشراقات ثقافية (4)

26 مارس 2023

إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى

والطريف أن تشابكات موضوع الصراع بين المرأة والرجل، تعتبر من المواضيع المعالجة بحرص مبيت، حتى في الحكاية الخرافية، التي نعني بها الحكاية الرمزية، الجارية على لسان الحيوان وباقي مظاهر الطبيعة، بصورة مؤنسنة إشارية إلى تعقيدات الحياة البشرية، وعلاقات الناس فيما بينهم إن خيرا وإن شرا، في حمأة حياتهم اليومية، وعلى مستوى مختلف الحقول.

فإذا كان عالم الحكاية الخرافية الغابوي، يتركب من طرفين بنيويين أساسيين على مستوى وظائف الشخصيات، هما (المعتدي والضحية)، فإن هذه الحقيقة تدفعنا نحو التساؤل عمن يكون المعتدي، ومن تكون الضحية في عوالم الحكاية الشعبية الخرافية؟.
إن الصراع بين المرأة والرجل هنا، يطل علينا ابتداء من عناوين النصوص الدالة، المكونة في صياغتها من طرف قوي وطرف ضعيف، أمثال (الأسد والفأرة ـ الذئب والشاة ـ الثعلب والجرادة ـ الناموسة والثورـ السلحفاة والنسرـ القبرة والفلاح ـ الغراب والبجعة ـ الفلاح والأفعى ـ الحية والنسرـ الصياد والقبرة ـ الحجلة والصياد ـ الزنبارة والثعبان).(8)
وبما أن الفضاء هنا غابوي يحكمه الأقوى من الذكور، أمثال الأسد والثعلب والذئب والنسر والثور، باعتبارهم رموزا للرجل من ناحية؛ ويسحق فيه الأضعف، من مثل الجرادة والشاة والفأرة والسلحفاة والبجعة والقبرة والناموسة، بوصفها رموزا للإناث من ناحية ثانية؛ كان من اللازم أن تلجأ الشخصيات الضعيفة إلى ما يحميها من اعتداء الأقوياء، متسلحة بالحذر والاحتياط، بعيدا عن مطبات الخطر، والاختباء عن عرين المفترسين، وتفضيل إعمال العقل والفطنة، بدل القوة والعنف اللذين تفتقدهما.
أما في حالة ما إذا مال غرور شخصية من هذه الشخصيات الضعيفة، نحو تجريب طموحها في التحدي، المرادف للوقاحة في عين الأقوياء بالفضاء الغابوي، فإنها سرعان ما تدفع ثمن فضولها أو غفلتها غاليا، وقد يصل إلى مستوى هلاكها. ذلك أن مكر الإناث الضعيفات هنا، يكون دوما مكشوفا للذكور، عكس ما يحدث في الحكاية المرحة، يساعدهم ويدلهم على تحايل الأنثى الشهية، جوعهم إلى الافتراس والاستشباع، كما في حكاية (الحجلة والصياد) هذه:
(( أمسك صياد حجلة بشبكه. وإذ كان على وشك ذبحها، تضرعت إليه أن يبقيها وقالت: لا تذبحني، بل دعني أعيش، وسأرد لك صنيعك بأن أجتذب حجلا أخرى إلى شباكك.
فأجابها الصياد: بلى، لن أبقي عليك. كنت أنوي أن أذبحك بأية حال. أما بعد حديثك الغادر، فإنك تستحقين مصيرك تماما.))(9).
ولا يعفي الأنثى أحيانا من دفع ثمن جرأتها على الأقوياء، سوى الوعد بتقديم مساعدتها المخلٍّصة لخصمها القوي، من ورطة مهلكة ما، قد يهوي فيها، أو الاستحماء به ولو نفاقا. مع العلم أن الأقوياء من الذكور في هذا الفضاء الخرافي، قلما يهتمون بقيمة الأنثى، وفي كثير من المواقف بنصوص حكائية من هذا النوع القصصي الرمزي، يستهين الذكر القوي بالأنثى الضعيفة، إذ لا أهمية لها في نظره، ما دامت عزلاء من القوة الجسدية المواجهة له. وإن كانت الأنثى في بعض هذه الحكايات لا تتأخر عن الدفاع عن نفسها، ومحاولة الانتقام من الذكور، الذين يسيئون إليها ويتضامنون ضدها شر انتقام، مثلما تصور حكاية (الحية والنسر) الموالية:

((انقض نسر على حية وبمخالبه أمسكها، ليحملها بعيدا ويلتهمها. ولكن الحية أسرعت إليه، وفي لحظة التفت عليه، وبينهما نشبت معركة فاصلة.
وتقدم ريفي ـ كان يشهد المعركة ـ إلى نجدة النسر، ونجح في تخليصه من الحية، وتمكينه من الهرب. أما الحية ـ انتقاما من الرجل ـ فقد نفثت سمها في القرن الذي منه يشرب.
وعطش الرجل، بعد الجهد الذي بذل. وبينما كان على وشك أن يطفئ عطشه بجرعة من القرن، إذ أطاح به النسر من يده، وسكب ما فيه على الأرض.))(10).
ولئن كانت الأفعى بطلة هذه الحكاية، أنثى استثنائية تتصف هنا بالهيبة والقوة، فإن أنثى الحيوان أو الطير أو الزواحف، في غيرها من حكايات خرافية أخرى ليست قليلة، قد تتمثل قواها في ضعفها، تجسيدا رمزيا لطبيعة المرأة مطلقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8) كل هذه العناوين منتقاة من: (خرافات إيسوب)، تر. عبد الفتاح الجمل، دار الفتى العربي، سل. مكتبة التراث، ج. 1 ـ 2، بيروت، [د. ت.],
9) المصدر نفسه، ص. 141.
10) نفسه، ص. 144.
يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading